عمدة أوكرانيا السابق فولوديمير سالدو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إكس)
عمدة أوكرانيا السابق فولوديمير سالدو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إكس)
الثلاثاء 19 ديسمبر 2023 / 16:46

عمدة أوكرانيا السابق.. صديق للكرملين وعدو لكييف

كان الروس بمثابة خلاص فولوديمير سالدو، حيث قضى الأوكراني الثري في الخمسينيات من عمره فترة في البرلمان الوطني، وفاز بـ 3 فترات كرئيس لبلدية مدينة خيرسون الجنوبية، ولكن مع بداية عام 2022 فتحت الشرطة قضية ضده بتهمة الأمر بالقتل المأجور.

ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية، عن رئيس شرطة خيرسون في ذلك الوقت، الذي أصبح حاكم المدينة، أولكسندر بروكودين، قوله بعد أن فجر الروس مكتبه: "أردت سجنه".

خارج القانون

وذكرت الصحيفة، أن سالدو بعد أن أصبح خارج نطاق القانون الأوكراني، عاد مرة أخرى إلى كونه سياسياً قوياً، باعتباره الحاكم الذي اختاره فلاديمير بوتين للأراضي المحتلة التي تقع عبر النهر من خيرسون.

وكشف تحقيق للغارديان في نظام سالدو كيف يبدو أن الغزاة والمتعاونين معهم، تحت راية القومية الروسية، يستخدمون تكتيكات إرهابية لبناء امتداد لدولة العصابات التي بناها بوتين في الداخل على الأراضي الأوكرانية، حيث يزداد ثراء المقربين بينما يعاقب المعارضين.

ومع وصول خط المواجهة في الحرب إلى طريق مسدود ــ ومع مطالبة الغربيين من ذوي النفوذ أوكرانيا بتسليم الأراضي المحتلة لبوتين كثمن للسلام ــ فإن هذا النظام قد يُحكم على الملايين من الأوكرانيين بالعيش في ظله لسنوات.

نظام الخونة

وخوفاً من المحاسبة، قليل من يجرؤ على التحدث علانية عن الحياة في عهد سالدو، ويقول سيرهي خلان، مستشار خيرسون السابق الذي يعيش الآن في كييف: "إنه مثل نظام ستالين"، وأضاف "إذا جلسنا جميعاً نروي القصص، فسيتصل شخص ما بالروس ويخبرهم بذلك، إنه نظام الجواسيس".

وتصور رواية أحد الأشخاص في عمق خيرسون، صورة مماثلة للقمع الشديد.

ويقول يوري – وهو اسم مستعار – إن النظام يواصل تنفيذ عملية "التصفية" التي بدأت بعد الغزو.

وأضاف أن "هذا يتضمن عمليات تفتيش عند مفترق طرق النقل الرئيسية، ومداهمات مستمرة، وفحص للهواتف".

وحسب الصحيفة، فإن شبكات الهاتف الوحيدة المتاحة هي روسية معروفة بأنها مجهزة بأجهزة تسمح للسلطات بالتنصت، وأوضح يوري أن كثافة الاعتقالات انخفضت، لكن أجهزة الأمن الروسية تقوم في بعض الأحيان بتلفيق قضايا ضد الأوكرانيين.

بين الواقع والدعاية

وذكرت الصحيفة، قصة للجد المتقاعد سيرهي تسيجيبا، في الأسابيع الأولى للاحتلال، حيث انطلق سيراً على الأقدام من منزله في منطقة خيرسون الشرقية لتوصيل الإمدادات إلى البلدة التالية. 

وكان سيرهي وطنياً متحمساً، وعمل كصحافي ومستشار سياسي وخدم في الجيش الأوكراني، وعندما نزلت القوات الروسية، نشر تفاصيل تحركاتها على صفحته على فيس بوك، وقالت زوجته أولينا: "كان من المهم بالنسبة له أن يُبقي العالم على علم بما يحدث في هذا المكان الصغير".

ولم يعد سيرهي إلى المنزل وقتها، وعلمت أولينا أن الروس أوقفوه عند نقطة تفتيش، بدليل أنها وجدت كلبه مقيداً بالقرب من مبنى البلدية الذي كانوا يستخدمونه كمركز احتجاز.

وفي وقت لاحق، أُبلغت أولينا بأن زوجها نُقل إلى سجن في شبه جزيرة القرم، وحُكم عليه بالسجن 13 عاماً بتهمة التجسس.

الترحيب بالروس

ووفقاً لتقرير الغارديان، في السنوات التي سبقت الحرب، كانت مسيرة سالدو السياسية تتضاءل حتى بدون تحقيق الشرطة. وانتهت فترة ولايته في البرلمان عندما تمت الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش في عام 2014.

وفي عام 2016، تم نشر تسجيل على الإنترنت لسالدو وهو يناقش علاقته مع جهاز الأمن الروسي "FSB"، قال فيه: "الشيء الرئيسي هو تقديم معلومات حول ما يحدث على الأرض، وعن المشاعر العامة، وعن الاحتجاجات، وإذا قرروا دخول خيرسون، فهم يحتاجون إلى أشخاص موثوقين".

ومع بدء الحرب عاد سالدو إلى  الظهور لإلقاء خطاب، وكان محاطاً بالأعلام السوفييتية في تجمع صغير للترحيب بالروس.

وفي الشهر التالي، تم تعيينه حارساً لخيرسون.

وبدأ الروس في تنظيم نسخة محلية من جهاز الأمن الفيدرالي، حيث كان الجهاز الذي أطلق عليه اسم" GSB"، أو جهاز الأمن الحكومي، يتألف من كل من الروس والأوكرانيين ويرأسه رجل كان يعمل كرئيس للمخابرات الأوكرانية في نظام يانوكوفيتش الموالي لروسيا.

مكاسب مالية

ولعقود من الزمن، استغل الكرملين نقطة ضعف أوكرانيا وهي الفساد، ووجد الروس في سالدو، الذي أكسبته شهيته للفساد، شريكاً طبيعياً.

وحصل سالدو على مباركة الروس لكسب المال غير المشروع، وكان من بين المخططات التي يُزعم أنه أشرف عليها أكوام من العملة الأوكرانية التي تركت في خزائن بنوك خيرسون.

ويمتد الفساد في نظام سالدو إلى الأقبية التي يتم احتجاز المعتقلين فيها، وقام أندريه كوفالينكو هو المدعي العام المحلي، بتوثيق 19 ألف جريمة حرب في المنطقة منذ الغزو.

ولكن يبدو أن أكبر مصدر للأموال هو الحبوب، فأوكرانيا هي واحدة من أكبر المصدرين في العالم، ويبدو أن الملفات الجنائية الأوكرانية وشهادات الشهود وسجلات الشركات، تظهر روابط بين عقود توريد الحبوب التي وقعتها سلطات سالدو، ومشاريع السلع الروسية المرتبطة بالمصالح التجارية الشخصية لدائرة بوتين.

ملاحقة قضائية

وفي نهاية أغسطس (آب) الماضي، قام سالدو بزيارته الأخيرة إلى الكرملين ليطلعه على آخر المستجدات بشأن منطقة خيرسون الشرقية ــ التي أصبحت الآن مقاطعة روسية رسمياً بعد الاستفتاء.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أدانت محكمة أوكرانية سالدو غيابياً بتهمة الخيانة، والعقوبة بالسجن لـ 15 سنة.

لكنه الآن محمي بالقوات الروسية، وحتى العقوبات التي فرضتها المملكة المتحدة عليه يبدو أن تأثيرها ضئيل.