الخميس 21 ديسمبر 2023 / 22:50

يميناً ما يوصِّفها الكلام

كما ينساب الماء زلالاً يروي ويحيي، انسابت قصيدة سمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد للأعمال الإنسانية والخيرية، لتجد في اللحظة ذاتها طريقها إلى كل قلب، فيشرق بالمحبة والعرفان، ويفيض بالرضا، ويحمد الله أن جعله من أبناء وطنٍ كرَّم الله أهله بأن جعل العطاء لهم طبعاً أصيلاً، والوفاء منهجاً، والخير غاية يتسابقون إليها.
هل تستطيع كلمة واحدة أن تكون بذاتها قصيدة؟ نعم، تستطيع. إذا فتحت عالماً من الدهشة والشغف لا حدّ لثرائه وقدرته على الإلهام. ولقد كانت كلمة "يميناً".. وحدها، وبذاتها، قصيدة. فاليُمْن هو البركة التي ندعو الله أن يسبغها علينا.. واليمين هي اليد التي اختصها الله بالعطاء، حتى جاء في الحديث الشريف أن الله عز وجلّ  "كلتا يديه يمين".
لقد أصبحت قصيدة سمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان على كل لسان خلال ساعات معدودات، لأنها عبرت عن الوجدان الجمعي لأبناء الدولة. وإذا كان الأدب الحقيقي هو الذي يكشف عن دخائل النفوس البشرية، ويدرك أعماقها، فإن ما لقيته القصيدة من محبة وإعجاب وانتشار يعود إلى أنها قالت ما يود كل إماراتي أن يقوله، ووصفته الوصف الصحيح، دون مبالغة أو ادّعاء. كما أن التعبير بالشعر يحيي التقاليد الأصيلة والموروث الذي نفخر بالانتماء إليه، وهو موروث يُعزز الهوية الوطنية، ويشحذ القدرة على إدراك الجمال وتذوقه، ويؤكد التواصل بين ماضي أبناء الدولة وحاضرهم.
اليمين، في القصيدة لا تقدّم إلا الجميل. اليمين التي تربي الأجيال على الإنسانية والنبل. اليمين التي تُعلم وتنير طريق المعرفة التي أمرنا الله بالارتحال في طلبها. اليمين التي تحمي الحق وتصونه، وترد الظلم وتردعه. اليمين التي تبني وتزرع وتُخلص في العمل مؤمنة بأنه عبادة. اليمين التي تحفظ العادات الأصيلة وتحييها، واليمين التي تمتد بالكرم والمساعدة وتأسو الجراح وتقيل العثرات، واليمين التي تصافح عن محبة إخلاص، واليمين التي تسارع إلى الخير والسلام، وتؤلف القلوب وتوحدها، واليمين التي تجعل الشرف والفضيلة والأخلاق السامية ميزاناً وعنواناً في كل ما تفعل.
اليمين هي يمين أبناء الوطن جميعاً، أولئك الذين يعرف كل واحد منهم أنه يمثل وطنه وقادته وثقافته الأصيلة وتراثه العريق، ويذكر كل واحد منهم كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي أوصى أبناءه قائلاً: «لا بدّ أن نظهر للعالم، ليس بطول البنيان، بل بمعدن الإنسان الإماراتي». ولقد سمع الأبناء ووعوا، فكانت فعالهم فخراً للوطن وعزاً.
وحين تسارع يمين أبناء الوطن إلى كل ما هو نبيل وخيِّر، فإنها - في الحقيقة - تتطلع إلى إحياء سيرة الرجل الذي يحملونه في سويداء القلوب، ويفخرون بالانتساب إليه، وهو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فمن يده كان الخير يتدفق إلى كل مكان على ظهر البسيطة، ويصل إلى مئات الملايين في مشارق الأرض ومغاربها، ليحيي ويداوي ويُطعم ويسقي ويبني المساكن والمدارس والمستشفيات والجسور والطرق وبيوت العبادة، ويغيث الملهوف ويفرِّج عن المكروب.
إن اللقب الذي نعتز به جميعاً، هو «عيال زايد»، وربما نكون الشعب الوحيد بين شعوب الأرض الذي اتفق كل أفراده على أنهم جميعاً أبناء حقيقيون للرجل الذي شاد دعائم دولتهم وبنى من أجلهم وطناً قدَّم إليهم كل ما يمكن أن يقدمه وطن لأبنائه على المستويين المادي والمعنوي.
وشأن كل الأبناء البررة الذين يحيون سيرة الأب العظيم بالسير على نهجه، فإن يمين كل إماراتي تمتد بالخير هي في الحقيقة يمين زايد. ويمين كل إماراتي حين تمتد بالخير فإنها ترسل رسالة لزايد بأنَّا نحيي ذكراك كل لحظة بإحياء مكارمك وفِعالك. ويمين كل إماراتي حين تمتد بالخير فإنها ترى في فعلها دعاءً صادقاً لزايد بالرحمة والمغفرة.
لقد وصلتنا جميعاً رسالة سمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان، وهو يقول: «يميناً فعلها خير وسلام... يميناً ما يوصّفها الكلام... يميناً وحَّدت هذا الوطن... يميناً ما يكررها الزمن»، وأطلت علينا جميعاً يمين زايد، تُباركنا من عليين. فتذكرنا هذه اليد الطيبة وهي تحفر الأفلاج وتحمل الصخور، وتذكرناها وهي تخطُّ على رمال الصحراء ما سيصبح في المستقبل مدناً مزدهرة عامرة بالحياة، يحفها الأمن والرخاء، وتذكرنا هذه اليد وهي ترفع علم الاتحاد وتبني دعائمه بالصبر والحكمة والشجاعة والإيثار.
وما يمنح هذه القصيدة قوة، لا تقل عن جمالياتها الفنية، أن كل حرف فيها يُصدّقه الفعل والممارسة على أرض الواقع، فبصمة الأبطال، والثبات عند المحن، ونشر العمران في كل مكان، والبشاشة، وكرم الضيافة، والوفاء للصديق، وشرف القول والفعل، ومد يد العون لكل محتاج، إنما هي مناقب متجذرة في المجتمع الإماراتي، يحرص عليها، ويتواصى بها، ويتوارثها الأبناء عن الآباء، ويعززونها في نفوس الأجيال الناشئة، ويعتبرون الالتزام بها شرطاً لنيل التقدير والاحترام في المجتمع. ومثل هذه القيم، التي أظهرتها هذه القصيدة البديعة إنما هي أحد عناصر القوة والتلاحم، في بلد يشق طريقه نحو الصدارة العالمية بثبات واطمئنان.