ملصق انتخابي في تايبه (أرشيف)
ملصق انتخابي في تايبه (أرشيف)
الخميس 11 يناير 2024 / 18:47

هل تستعد الصين لحرب على تايوان؟

في الوقت الذي تحقق فيه روسيا مكاسب في أوكرانيا، ويبدو أن الشرق الأوسط على شفا صراعٍ إقليمي كبير، أصبحت المواجهة العسكرية بين الصين والولايات المتحدة آخر ما يحتاج إليه العالم.

بكين تستعد بشكلٍ متزايد لصراع محتمل تحسباً لأي تطورات

لكن وفق توم هاربر، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة إيست لندن، يبدو أنّ الصين تتأهب لصراعٍ مديد مع الولايات المتحدة بخصوص تايوان، تلك الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي والبالغ عدد سكانها 24 مليونأً، وتُطالب الصين بضمها إلى أراضيها.

 

دلائل استعداد الصين للحرب

وذكر الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه بمناسبة العام الجديد أنّ تايوان "ستتحد بالتأكيد" مع الصين.

وهذا تصريح مهم خاصة أنه يأتي قبيل أيامٍ من الانتخابات الوطنية في تايوان في 13 يناير (كانون الثاني).

ونتيجة هذه الانتخابات إما أن تجلب حكومة أكثر تأييداً لبكين تُقرر إقامة علاقات أوثق معها، وإما زعيماً تايوانيّاً يود أن ينأى بنفسه عن الصين.

 


وستشهد الانتخابات مواجهة بين الحزب الديمقراطي التقدمي المؤيد للاستقلال وحزب الكومينتانغ المحافظ.

وكثيراً ما يُوصَف مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي لاى تشينغ تي المُتقدم في استطلاعات الرأي بالمدافع صراحةً عن استقلال تايوان أكثر من سلفه تساي إنغ ون المنتهية ولايتها، والتي تبنت نهجاً أكثر دبلوماسية،  لاعتقادها بعدم الحاجة لدعم الاستقلال خاصة وأن الجزيرة ذات سيادة أصلاً.

ورجح الكاتب في تحليله بموقع مجلة "ذي كونفرسيشن" الأمريكية أن تنظر بكين إلى أي تحول أو بيان مؤيد للاستقلال على أنه دعوة إلى تنفيذ عمل عسكري، لأن الإعلان الرسمي للاستقلال خط أحمر عند بكين.

وفي المقابل، يُنظَر إلى حزب الكومينتانغ على أنه أقرب إلى بكين، وقدمت الولايات المتحدة دعمها تاريخيّاً لوضع تايوان شبه المستقل، وتعدُّها حليفاً إقليميّاً مناسباً، وإلى جانب تكثيف الرحلات الجوية العسكرية الصينية حول المجال الجوي لتايوان، تشير كل هذه العناصر إلى تايوان باعتبارها سبباً محتملاً لصراعٍ تقليدي بين الولايات المتحدة والصين.

 

مؤشرات أخرى رئيسة

هناك مؤشرات رئيسة أخرى يتعين الانتباه إليها، إذ توسَّعَ الجيش الصيني وشهدَ تحديثات على مدار السنوات الخمس الماضية، والتقدُّم الذي أحرزه في تكنولوجيا الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت يجعل بكين متميزة، إذ لم تَنشر الولايات المتحدة إلى الآن صواريخ مكافئة.

ومن المهم استيعاب التصور المتفاقم بين الجمهور الصيني للولايات المتحدة بوصفها عدواً لدوداً، وهو جزء من سردية أصرت عليها الحكومة الصينية منذ عام 2017.

وهذه فكرة شائعة أيضاً بين مستخدمي الإنترنت الصينيين الذين يميل كثير منهم إلى أن يكونوا أكثر قومية من الحكومة ذاتها.

 

معارك تقنيّة

وبحسب التحليل، هناك منافسة محتدمة فعلاً بين الصين والولايات المتحدة على الصعيدين التقني والاقتصادي، واستمرت هذه المنافسة رغم أن الجمود الذي أصاب العلاقة بين البلدين بدأ يتبدد منذ قمة التعاون الاقتصادي لآسيا المحيط الهادئ في عام 2023، حيث جلس الرئيسان الأمريكي والصيني لتبادل أطراف الحديث لمدة 4 ساعات، واتفقا على استئناف الاتصالات العسكرية التي يمكن أن تُجنِّب الطرفين التصعيد العسكري العارض.

 


وبذلك أشارَ بايدن إلى أنه قد يكون مستعداً للتخلي عن سياساته المتشددة المتعلقة بالحد من الاعتماد على التكنولوجيا الصينية، فلم تسمح إدارته لمصنعي الرقائق الأمريكيين بأن يبيعوا بضاعتهم إلى الصين، وكذلك شجعت الإدارة الأمريكية حلفاءها على حظر بيع صادرات رقائق التكنولوجيا الفائقة إلى الصين.

ويُعزى إحجام شركة ASML الهولندية المُصنِّعة لآلات تصنيع الرقائق إلى الصين لضغوطٍ مارستها عليها واشنطن، وبدأت المنافسة على التفوق الاقتصادي والتكنولوجي بالفعل.


وهذه المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تشبه إلى حدٍ كبير التوتر بين الولايات المتحدة واليابان في ثمانينيات القرن العشرين وأوائل التسعينيات، إذ تسببت التنمية الاقتصادية والبراعة التكنولوجية اليابانية في قلق ملحوظ بين صناع السياسة الأمريكيين حتى أنه بحلول أواخر ثمانينات القرن العشرين كانت اليابان تُعدُّ تحديّاً أكبر للولايات المتحدة من الاتحاد السوفيتي.

ولكن، رغم أن بكين تكيفت مع الواقع الجديد المتمثل في العلاقات الصينية الأمريكية التصادمية على نحو متزايد، لا يعني ذلك أنّ الصين حريصة على إشعال فتيل صراع طويل الأمد.

وتتكيف الصين مع التحديات الهائلة داخل اقتصادها المتعثّر، مما يجعلها مترددة إلى حدٍ ما في إشعال فتيل حرب رغم خطابها الصداميّ، بحسب التحليل.

 

كلا الجانبين عنده تحفظات

ووفقاً للكاتب، فإن القدرة الصناعية الكبيرة للصين وانخفاض المخزونات العسكرية الغربية الناجم عن الحرب في أوكرانيا يعنيان أن الصراع مع الصين أمر لا تقوى الولايات المتحدة على تحمله.

وتأكد ذلك بقدر كبير خلال عمليات المحاكاة العسكرية الأمريكية لنزاع في تايوان عام 2020، إذ اكتشف الأمريكيون أن 9 من أصل 10 عمليات محاكاة انتهت بهزيمة الولايات المتحدة، ولذلك فالصراع المحتمل مع الصين يشكل تحديّاً كبيراً للقوة الأمريكية.

ومن الواضح أن الأزمات الراهنة أتاحت فرصةً للصين لاستيعاب التحديات العسكرية الحالية، وقدَّمت لها بعض المنافع على طبقٍ من فضة، فقد قدَّمَ الصراع في أوكرانيا للصين منافع اقتصادية جمّة، وعلى الأخص على هيئة وصولٍ أكبر إلى النفط والغاز الروسيين اللذين يعدان شريان الحياة لكثيرٍ من الصناعات الأوروبية التي تنافسها الشركات الصينية.

وكانت التوترات أيضاً في الشرق الأوسط بمنزلة مصدر إلهاء آخر للولايات المتحدة التي اضطرت إلى التركيز بقدرٍ أكبر على الشرق الأوسط وأوكرانيا، بدلاً من أن تلتزم بالكامل بمواجهة الصين.

وتُظهر هذه الأحداث كلها المعرفة التي اكتسبتها الصين، ففي حالة أوكرانيا، تجلت أهمية الإنتاج الصناعي لأغراض الحرب، إذ تُمكِّن القاعدة الصناعية الروسية موسكو من مواصلة الصراع.

وتُسلط حالة أوكرانيا أيضاً الضوء على القيود المفروضة على قدرات حلف شمال الأطلسي في سياق تزويد أوكرانيا بالأسلحة.

وتجلّت نقاط ضعف القوة البحرية في الحصار الذي فرضه الحوثيون على البحر الأحمر، فقد أظهر هذا الحصار إمكانات استخدم تقنيات الصواريخ والطائرات المُسيرة لتحدي القوى الأكبر. وفي حالة بكين، يمكن أن يُترجَم ذلك إلى استخدام بكين لقدراتها المضادة للسفن والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لتحدي قوة واشنطن البحرية.

ما أمسى واضحاً هو أن بكين تستعد بشكلٍ متزايد لصراع محتمل تحسباً لأي تطورات، ويمكن أن يساعد هذا الإعداد على ترجيح كفة بكين.