الخميس 8 فبراير 2024 / 12:23

إبداع إنساني بنكهة الاصطناعي

حقق العلم في مجال الذكاء الاصطناعي قفزات كثيرة ومتنوعة في غضون سنوات قليلة، حيث حرص كثير من المستخدمين، على الاستفادة من خدماته وإمكانياته في عدة مجالات، منها مجال الإبداع الأدبي. هناك برامج كثيرة، لعل أشهرها شات جي بي تي، الذي اعتبره بيل جيتس، مؤسس ميكروسوفت، برنامجاً مهماً مثل اختراع الإنترنت، لأنه أحدث تحولًا كبيراً، ويمكن أن يحل محل 300 مليون وظيفة بدوام كامل!
هذا البرنامج تداولته وسائل الإعلام عند ذكر خبر فوز كاتبة يابانية ري كودان بجائزة أكوتاغاوا، عن فئة الكاتب الواعد، إذ أكدت الكاتبة بعد إعلان فوزها استعانتها بالذكاء الاصطناعي من خلال برنامج شات جي بي تي، الذي ساهم بنسبة 5% بشكل تام من عملها من حيث المبنى والمعنى.
وهنا نقف عند عدة تساؤلات، منها ما يتعلق بالموقف إجمالًا من الاستعانة بهذا، من حيث أصالة العمل، فهو إنتاج مشترك مع الذكاء الاصطناعي، والآخر بتحكيم الجوائز.
بداية لابد أن نتذكر أن الإبداع الأدبي لا يقف وحيداً في هذا الأمر، فمعظم المجالات استفادت مثل الهندسة والطب وغيرهما، لكن كم نسبة الاستفادة الحقيقية منه؟ وكيف توظف الاستفادة؟
إذ كانت الكاتبة اليابانية قد أقرت بـ5% استفادة كاملة، فلابد أن نفكر أنها استفادت 95% بشكل غير مباشر، مثل استفادتها في بناء الرواية والحبكة والأحداث وابتكار الأفكار وصياغة الجمل، وهي تستفيد بذلك من كل النتاج الإنساني، بما فيه الأدب الياباني. أشير هنا إلى أن مجلة فوربس ذكرت آراء لمشرعين أمريكيين بأن العمل الأدبي لابد أن يكون إنتاجاً أصيلاً ومبدعاً من إنتاج إنساني دون تدخل الذكاء الصناعي.
وماذا عن الملكية الفكرية للإبداع الأدبي.. هل يعدّ الذكاء الاصطناعي من خلال برنامجه شريكاً في العمل الأدبي؟ أم أن هذه المشاركة مرتبطة بما أضافه الكاتب؟ وماذا عن الأدباء والشعراء الذين استعان بهم معدو البرنامج، بتغذيته بكم هائل من الكتب والنصوص؟ أذكر هنا أن عدداً كبيراً من الأدباء احتج على استعانة برنامج شات جي بي تي بكتبهم. فقد رفع جورج آر آر مارتن مؤلف رواية "صراع العروش" في سبتمبر(أيلول) 2023 قضية على شات جي بي تي، في نيويورك، طالب هو وبعض الكتاب بـ150 ألف دولار على كل كتاب يستخدمه البرنامج، وطالب آخرون بمقابل مادي عن كل كتاب يستفيد منه الذكاء الصناعي.
وأما رد مسؤولي برنامج شات جي بي تي فقد نشر في الجارديان بأن لديهم 150 مليون مستخدم أسبوعياً، وبأن أي شخص ترفع عليه قضية استخدام هذا الشات فهم سيتدخلون لصالحه!
الطريف أن بعض المتدربين معي في الورش سألوا شات جي بي تي عن رأيه في قصصهم قبل نشرها، وكانت ردوده إيجابية، بما طرحه من ملاحظات نقدية. ما يهمنا هنا هو أنه قادر على مساعدة المبتدئين في الكتابة أو متوسطي المستوى في إنتاج نصوص جيدة جداً، ولابد أن يعملوا على تعديلها.
لكن كيف يمكن أن نستعين بالذكاء الاصطناعي بشكل أفضل، دون المساس بالأصالة والإبداع لدى الكاتب؟ يمكن أن يكون ضمن العصف الذهني وتوليد الأفكار، والأفضل عدم الاعتماد عليه 100%. معظم الأمور المستحدثة تأخذ فترة حتى تستقر، وتقنن بتشريعات تحكمها.