الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
الخميس 29 فبراير 2024 / 14:42

ماكرون الساعي إلى تهديد موسكو يغضب الغرب

يوم الإثنين الماضي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه "لا ينبغي استبعاد" إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا.

شجب المشرعون ما سماه الاشتراكي أوليفر فور "حماقة" الحرب المحتملة مع روسيا

وصف كبير مراسلي صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في باريس رودجر كوهين هذا التصريح بالصاعق وغير المتوقع، مشيراً إلى أنه أشعل الجدل ونشر الانزعاج بين الحلفاء، كما فرض مواجهة حساب بشأن مستقبل أوروبا.

بين التصريح والتخطيط

بالنسبة إلى زعيم محاصر يكره التفكير الكسول ويتوق إلى أوروبا ذات قوة عسكرية ومحب للأضواء، كان هذا نموذجياً بما يكفي.

في نهاية المطاف، كان ماكرون هو الذي وصف الناتو سنة 2019 بأنه يعاني من "موت دماغي" والذي حذر أوروبا السنة الماضية من أن تصبح "تابعة" استراتيجياً لأمريكا.
لكن الكاتب أوضح أن التصريحات الجريئة شيء، ووضع القطع في مكانها بصبر لتحقيق تلك الأهداف، شيء آخر، كثيراً ما كان ماكرون يفضل الاستفزاز على الإعداد، حتى لو كان في كثير من الأحيان وجهة نظر منطقية، كما هو الحال في قوله منذ 2017 إن أوروبا بحاجة إلى تعزيز صناعتها الدفاعية لتحقيق ثقل استراتيجي أكبر. 

وهذا الأسبوع لم يكن استثناء، من خلال المضي قدماً من دون بناء إجماع بين الحلفاء، ربما أكثر ما فعله ماكرون كان إبراز الانقسامات الغربية وحدود المدى الذي يرغب الناتو بالذهاب إليه دفاعاً عن أوكرانيا بدلاً من تحقيق "الغموض الاستراتيجي" الذي يقول إنه ضروري لإبقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حالة تخمين.

سبب الاستفزاز

بدا استفزاز ماكرون جزئياً وكأنه سعي إلى اكتساب أهمية في وقت هو معزول في الداخل، وقد ظهر كشخصية هامشية في الحرب بين إسرائيل وحماس.

وأدت فرنسا دوراً محورياً في تنسيق مساعدات الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، بما فيها برنامج بقيمة 54 مليار دولار لدعم كييف تمت الموافقة عليه هذا الشهر، لكن مساهمتها في المساعدات أقل مما هي لدى ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
ومنذ بداية الحرب الأوكرانية قبل عامين، سعى الغرب إلى احتواء النزاع في أوكرانيا وتجنب حرب بين روسيا والناتو يمكن أن تتصاعد إلى مواجهة نووية.

ومن هنا تردد حلفاؤها، لكن لاحتواء حدود واضحة جعلت أوكرانيا تكافح من أجل الحفاظ على خط المواجهة ضد قوة روسية أكبر، وسيطرت روسيا مؤخراً على أراض في الجبهة الشرقية، ولا أحد يعرف أين سيتوقف بوتين الذي أصبح أكثر جرأة.

مشكلة تراكمية لماكرون

قال ماكرون: "إن هزيمة روسيا أمر لا غنى عنه لأمن واستقرار أوروبا"، مستغنياً عن الصيغة الحذرة التي تقول إنه يجب ألا تفوز روسيا والتي تفضلها الولايات المتحدة وألمانيا. 

وقالت الخبيرة في شؤون الولايات المتحدة في معهد الدراسات السياسية بباريس نيكول باشاران: "الشيء الإيجابي هو أن ماكرون يحاول إدخال توازن قوى، وبالتالي الردع، مع روسيا".

لكنها أشارت أيضاً إلى مشكلة تراكمية يواجهها ماكرون، وهي الافتقار إلى الصدقية، إذ بدأ الأمر بمحاولته إشراك روسيا في "هندسة أمنية" أوروبية جديدة سنة 2019، بالرغم من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم قبل خمس سنوات.

أعقب ذلك تصريحه سنة 2022 بأنه "يجب ألا نهين روسيا"، والممارسة الطويلة العبثية للمكالمات الهاتفية المتكررة مع بوتين في الأشهر التي تلت الغزو الشامل للزعيم الروسي.
وبحسب اللصحيفة، فلا عجب من أن بعض الأوروبيين لا يصدقون ما يسمعون، وقالت باشاران: "إنه يعطي الدفع، لكن الناس لا يشعرون أنه يمكنهم الوثوق به، حتى الدول التي تتفق مع تحليل ماكرون قد تتردد أمام تقلباته".

حيرة استراتيجية.. وألمانيا متعجبة

من المؤكد أن انفتاحه على إرسال قوات كان غير متوقع، لقد قدمت مناورته صورة منقسمة بين الحلفاء، حيث رفضت الدول بدءاً بالولايات المتحدة وصولاً إلى السويد فكرة نشر القوات.

كما سلطت الضوء على الخلافات الفرنسية الألمانية بشأن الحرب، حيث لم يستبعد المستشار أولاف شولتز نشر قوات ألمانية فحسب، بل استبعد أي "قوات برية من الدول الأوروبية أو الناتو".

وعن الخلافات بين الزعيمين، قالت مجلة دير شبيغل الألمانية الواسعة التأثير إنها "كارثة".

واستذكر ماكرون ساخراً الامتناع المتكرر عن إرسال الدبابات والطائرات والصواريخ البعيدة المدى قبل التراجع عن ذلك والقبول بإرسالها لاحقاً إلى كييف، وبدت هذه الإدانة استفزازية تحديداً لألمانيا، لأن فرنسا كانت من بين أولئك الذين قالوا لا قبل أن يقولوا نعم.

وعندما تكون فرنسا وألمانيا على خلاف، تميل أوروبا إلى التعطل الوظيفي، وهو بالضبط ما لا يريده ماكرون في سعيه الذي دام 7 أعوام تقريباً للحصول على مقدار أكبر من "الاستقلال الاستراتيجي" الأوروبي عن الولايات المتحدة.

ترددات داخلية

في الداخل حيث تراجعت شعبيته وافتقر إلى الأغلبية المطلقة في البرلمان، واجه ماكرون انتقادات شديدة بسبب تحول سياسي واضح تم اتخاذه بدون أي نقاش وطني، وهي قضية متكررة طوال فترة رئاسة هرمية وشديدة المركزية.
من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، شجب المشرعون ما سماه الاشتراكي أوليفر فور "حماقة" الحرب المحتملة مع روسيا. واتهم جوردان بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي كان قريباً من موسكو، ماكرون بـ"فقدان رباطة جأشه".
مع ذلك، تابع الكاتب، لم يجب أحد عن السؤال الأساسي الذي طرحه ماكرون: كيف يتم وقف تقدم روسيا وهزيمة أوكرانيا؟

بهذا المعنى، مع تقدم روسيا وتعطيل الجمهوريين في الكونغرس حزمة مساعدات أمريكية لأوكرانيا بقيمة 60 مليار دولار، ربما فرض ماكرون إعادة تقييم ضرورية، بخاصة في ضوء احتمال إعادة انتخاب ترامب.
وفي تشديد على تصريح ماكرون، بالرغم من الضجة التي أحدثها، قال مسؤول كبير مقرب منه يوم الثلاثاء: "إننا نريح بوتين في انطباعه بأننا ضعفاء عندما نكتب الشيكات، ونصنع البيانات، ونرسل المدفعية وننتج الأسلحة، لكن قبل كل شيء لا نريد بأنفسنا أي مخاطرة".
في الوقت نفسه، قال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته تماشياً مع البروتوكول الدبلوماسي الفرنسي، إن فرنسا تظل ملتزمة بتجنب "المواجهة بين الحلف وروسيا".

هذا غير كافٍ

وفق كوهين، إن ما تفكر به فرنسا على وجه التحديد غير واضح، لكن يبدو من المرجح إرسال أي قوات لأغراض "لا تتجاوز عتبة القتال"، على حد تعبير وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه أمام الجمعية الوطنية.

ومن بين هذه الأهداف، تبدو إزالة الألغام والتدريب والمساعدة في الإنتاج المحلي للأسلحة ممكنة، وكل ذلك بهدف الدفاع ضد أي تقدم روسي إضافي، ولكن دون المشاركة في أي عمل أوكراني هجومي.
بطبيعة الحال، ستقوم روسيا بتعريف "العدوان" الغربي بشروطها الخاصة، لقد حذر الكرملين بالفعل من أن ماكرون قد أدخل "عنصراً جديداً مهماً للغاية" يمكن أن يؤدي إلى صدام مباشر بين القوات الروسية والناتو.
إذا كانت القوات الغربية موجودة على الأرض في أوكرانيا بأي أعداد، فإن أي صاروخ روسي يقتل أياً منهم يمكن نظرياً أن يؤدي إلى تفعيل المادة 5 من معاهدة الناتو والتي تنص على أن هجوماً مسلحاً على أي عضو في الحلف سيعتبر هجوماً على جميع الأعضاء.
وهذا هو بالضبط طريق التصعيد الذي كان بايدن وشولتز عازمين على تجنبه منذ بداية الحرب.

والنتيجة هي أن أوكرانيا نجت لكنها لم تنتصر، ويبدو أن هذا ليس كافياً بالنسبة إلى ماكرون.