جنود رومانيون في مناورات مع الناتو
جنود رومانيون في مناورات مع الناتو
الجمعة 1 مارس 2024 / 10:42

هل يستطيع الناتو دخول مواجهة عسكرية مع روسيا؟

لا يزال حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن احتمال إرسال قوات غربية للقتال في أوكرانيا يتردد صداه سياسياً وإعلامياً.

الناتو يواجه مشكلة كبيرة


فبعد استضافة اجتماع لـ 25 زعيماً أوروبياً في باريس يوم 26 فبراير (شباط)، صرَّحَ ماكرون بأنه "لا توافق في الآراء" بشأن الالتزام بإقحام قوات برية في الصراع الأوكراني. لكنه أضاف "لا يجب استبعاد أي شيء. سنفعل كل ما يلزم لضمان عجز روسيا عن الفوز بهذه الحرب".
وفي هذا الإطار، قال كينتون وايت محاضر في الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية في جامعة ريدينغ البريطانية، في مقاله بموقع "آسيا تايمز": "حتى الآن، اقتصرت مهمة حلف الناتو على تدريب القوات العسكرية الأوكرانية وتزويدها بأسلحة دفاعية، وتخشى الدول الأعضاء من أنَّ مواجهة القوات الروسية مباشرة في أوكرانيا ستحمل في طياتها مخاطر بتصعيد كبير".
وأصدرَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار وزرائه تهديدات بأن موسكو يمكن أن تلجأ إلى استخدام ترسانتها النووية في حالة وقوع نزاع أكبر.

مناورات "المدافع الصامت"

وحالياً، يجري حلف الناتو أكبر تدريبات عسكرية له منذ الحرب الباردة، إذ تمتد مناورات "المدافع الصامد" من يناير (كانون الثاني) إلى مايو (أيار) وتشارك فيها كل الدول الأعضاء البالغ عددها 31 دولة. وتهدف تلك المناورات إلى تعزيز قدرات الدفاع الجماعي للحلف واستعداده، وهي أكبر تدريبات عسكرية منذ مناورة ريفورجر عام 1988 التي شارك فيها 125000 جندي من الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وفرنسا والدنمارك.
وقال الجنرال كريستوفر كافولي، القائد الأعلى للقوات المتحالفة لحلف الناتو في أوروبا: "ستكون مناورات المدافع الصامد استعراضاً لوحدتنا وقوتنا وعزمنا على حماية بعضنا بعضاً وقيمنا والنظام الدولي القائم على القواعد".

 


وأضاف الكاتب "ستُطَمئِن هذه المناورة الدول الأعضاء الأوروبية في الناتو وستُظهر للخصوم المحتملين قدرة الناتو على نشر قوات كبيرة في الميدان. وتهدف المناورة إلى محاكاة سيناريو نزاع ناشئ مع خصم مُكافئ من حيث القوة"، وهي إشارة مُبطنة إلى روسيا، مما يدل على أن الناتو بدأ في أخذ التهديد بالصراع المباشر مع روسيا على محمل الجد.
خلال الحرب الباردة، أجرى حلف الناتو تدريبات واسعة النطاق بانتظام. على سبيل المثال، وشاركَ الحلف في مناورة ليونهارت التي قادتها المملكة المتحدة عام 1984 بنحو 58000 جندي وطيار بريطاني من إجمالي قوة تعد 131565 فرداً، بما في ذلك قوات من الولايات المتحدة وهولندا وألمانيا الغربية آنذاك.

الناتو ورحلة البحث عن هوية جديدة

ومنذ تفكك الكتلة السوفيتية، باتَ الناتو يبحث عن هوية جديدة. وتحول تركيزه في التسعينات من حماية الأراضي المشتركة إلى حماية المصالح المشتركة للأعضاء، بالضبط كما حدث عندما تدخَّلَ في حروب البوسنة عام 1995 وكوسوفو عام 1999، ووافق رسمياً على هذا المفهوم الاستراتيجي الجديد.
إن استعراض وحدة حلف الناتو وقدراته العسكرية جانب بالغ الأهمية، حسب الكاتب، خاصة بعد عامين من غياب الإجماع على كيفية الاستجابة للحرب في أوكرانيا وفي خضم مشاحنات بشأن إمدادات الأسلحة من حلفاء أوكرانيا الغربيين.
وأصبح ذلك أهم بكثير إثر التصريحات الأخيرة للرئيس السابق دونالد ترامب بأن الدول الأعضاء في الناتو التي لم تلتزم بالتزامات الإنفاق لن تحظى بعد الآن بحماية الولايات المتحدة.

 

 


وتابع الكاتب: من المفترض أن تنفق الدول الأعضاء ما لا يقل عن 2% من ناتجها القومي الإجمالي السنوي على الدفاع، غير أن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك، إذ يتم تخصيص النفقات الدفاعية لبعض الدول بالكامل لصالح الناتو. وفي الوقت ذاته، فإن دولاً أخرى قد تحدد نفقاتها الدفاعية بأقل من 2%، غير أن إنفاقها لكل فرد أكبر من إنفاق الدول التي تلتزم بتوجيهات الناتو.
على سبيل المثال، لا تصل لوكسمبورغ إلى نسبة 2%، إذ تنفق فقط 0.72%. ولكن على أساس الفرد، فإنها تنفق 921 دولاراً، وهو أكثر مما تنفقه بولندا (بنسبة 3.9%) أو فرنسا (بنسبة 1.9%).
ولعل الولايات المتحدة تنفق 3.5% من الناتج القومي الإجمالي على الدفاع، لكن ليست كل هذه النسبة مُخصصة للناتو، إذ يُنشَر جزء كبير من القوات الأمريكية في المحيط الهادئ وفي الأراضي الأمريكية. لذلك من المغالطة الحكم على قيمة عضوية الناتو استناداً لهذه الشروط.
وتعتبر المادة 5 أساسية في معاهدة الناتو. وهي تحكم الأمن الجماعي وتُلزم الأعضاء بالرد إذا تعرض عضو لهجوم من طرف ثالث معاد. والولايات المتحدة هي العضو الوحيد في الناتو الذي استند إلى المادة 5 بعد هجمات 11 سبتمبر(أيلول). وقد تلقت مساعدة من أعضاء آخرين في الناتو في أفغانستان، وعلى نطاق أوسع في "الحرب على الإرهاب".

مشكلة كبيرة تواجه الناتو

وأوضح الكاتب أن الناتو يواجه مشكلة كبيرة، لكنها لا تكمن في نشر القوات التي يملكها، وإنما في إمدادها. وكما تجلى من الجهود المبذولة لتزويد أوكرانيا بالمعدات والذخيرة، ليس لدى الناتو مخزونات ولا قدرة تصنيعية لتوفير إمدادات لحرب حديثة طويلة الأمد. ويرجع ذلك إلى أن الناتو خطَّط منذ فترة طويلة لما يعرف بالحرب "على قَدْر ذخيرتك"، مما يعني أنه يملك القدرة على القتال فقط، طالما استمرت المعدات والإمدادات. ولهذا السبب، كانت استراتيجية الناتو دائماً، في حالة نشوب نزاع، وضع نهاية له بأسرع وقت ممكن.
وقال الأميرال روب باور من البحرية الملكية الهولندية في منتدى وارسو للأمن في أكتوبر (تشرين الأول) 2023: "إننا بحاجة إلى إمدادات كبيرة. فاقتصادنا القائم على مبدأ 'المطلوب في الوقت المطلوب' الذي بنيناه معاً على مدى 30 عاماً في بلداننا الليبرالية مناسب لقطاعات عديدة، لكنه لا يناسب القوات المسلحة عندما تكون هناك حرب دائرة".
وبعد تصريحات ماكرون، عَدَلَ عدد من الدول الأوروبية عن موقفه، بما في ذلك بولندا والجمهورية التشيكية والسويد، التي وافقت المجر أخيراً على عضويتها في الناتو، ومن المقرر أن تصبح العضو رقم 32 في الحلف.
واستغلت روسيا تصريحات ماكرون، إذ صرح دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، للصحافيين، بأن مجرد مناقشة فكرة إرسال قوات غربية للقتال في أوكرانيا يمثل "عنصراً جديداً مهماً للغاية. ففي هذه الحالة، نحتاج إلى الحديث لا عن احتمال حدوث صراع مباشر بل عن حتميته".