جانب من الجلسات الماراثونية في مؤتمر المنظمة العالمية للتجارة في أبوظبي (أرشيف)
جانب من الجلسات الماراثونية في مؤتمر المنظمة العالمية للتجارة في أبوظبي (أرشيف)
الجمعة 1 مارس 2024 / 10:56

من الرسوم إلى صيد الأسماك والأغذية وصولاً إلى كورونا.. خلافات تهدد إنقاذ منظمة التجارة الدولية

في خطوة توقعها كثيرون، قال بيان وُزع مساء أمس الخميس، إن الجلسة الختامية للاجتماع الوزاري الـ13 لمنظمة التجارة العالمية المنعقد في أبوظبي، تأجلت إلى منتصف الليل بالتوقيت المحلي، ليكون الاختتام الجمعة، بدل الخميس..

وقال البيان الذي وزعته، منظمة التجارة العالمية: "في هذه الجلسة، من المتوقع أن يتخذ الوزراء قراراً حول مسودة حزمة من الوثائق".

ويعكس التأجيل، حجم التباين في وجهات النظر بين الدول الأعضاء، واختلاف المواقف من القضايا التي تطرق لها الاجتماع، الذي يُعد حيوياً لإنقاذ المنظمة الدولية.

وأوضحت المنظمة أن المؤتمر الصحافي الختامي، بعد أعمال المؤتمر، سيعقده الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية رئيس المؤتمر، والدكتورة نغوزي أوكونجو إيويالا المديرة العامة للمنظمة، لعرض النتائج والقرارات التي تمخضت عن الاجتماع.

وكان منتظراً أن يشكل المؤتمر تحدياً حقيقياً بسبب الهوة بين الدول الأعضاء، وتمسك عدد منها برفض تغيير القواعد التجارية، أو إصلاحها لأسباب متباينة، اقتصادية، أو سياسية، أو انتخابية، خاصةً في القضايا التي تمس الرأي العام في هذه الدول، مثل الرسوم، والتعريفات الجمركية، أو صيد الأسماء، ودعم الزراعة وغير ذلك.

وفي هذا الإطار قالت الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي، الخميس، إنه لا يزال ممكناً إنقاذ المفاوضات التي تواصلت ليلة البارحة شرط الحصول على "تنازلات معقدة" حتى في الملفات الأقل صعوبة مثل الصيد.
وذكرت تاي لرويترز، أنه إذا كانت بعض أو كل المحادثات التي تهدف إلى إصلاح قواعد التجارة العالمية ستنهار، فإن الانقسام بين تكتل بريكس أسهم في ذلك، خاصة الهند، والبرازيل، والصين.
وأضافت تاي لرويترز على هامش المحادثات في أبوظبي "سنشهد بعض الجهود الاستثنائية على مدى هذه الساعات المقبلة حتى الغد. لذلك لا يزال ممكناً تحقيق  بعض الانفراجات المثيرة للاهتمام".
وتابعت "لكن إذا تراجعت الجهود. إذا انهارت بعض المجالات.. يبدو أن بعض المحركات داخل بريكس ستكون سبب ذلك".
وأشارت إلى أن صيد الأسماك، يُحتمل أن يكون الملف الوحيد الذي يمكن الاتفاق عليه.
وأردفت "لكن لتحقيق ذلك، هناك مجموعة من التنازلات المعقدة للغاية"، مشيرة إلى معارضة جزر المحيط الهادئ للاتفاق في شكله الحالي.

معارضة هندية

من جهتها رفضت الهند اتهامها بعرقلة المحادثات، وقالت إنها تريد فقط "العدالة" في الاقتصاد العالمي، الذي تقف قواعده منذ وقت طويل، ضد الدول الفقيرة.
وقال وزير التجارة الهندي بيوش غويال في مقابلة على هامش الاجتماعات في أبوظبي إن بلاده لم تثِر أي قضايا خلافية ولم تعطل أياً من المحادثات، لأنها "واعية بكل التزاماتها الدولية".


وأضاف غويال "أنا لم أعرقل أي شيء في منظمة التجارة العالمية، لدي عقل مفتوح وإرادة في التواصل مع الجميع حول كل موضوع.. لكن بوضوح، هناك دول أخرى لا تعمل بنفس روح المرونة والانفتاح".
ونقلت وكالة بلومبرغ منذ أيام، عن الوزير أن أهم أولوية أمام منظمة التجارة العالمية، هي استعادة هيئتها للاستئناف، المسؤولة عن تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء.

ويشير الوزير بذلك إلى اللجنة القضائية في المنظمة والمكونة من 7 دول، والمتوقفة عن العمل منذ أواخر 2019 بعد رفض الولايات المتحدة، تعيين أعضاء جدد بدل الذين انتهت ولايتهم.
يذكر أن الهند تعتبر لاعباً رئيسياً في محادثات المنظمة ويراقب الجميع مواقفها في الوقت الذي تحاول فيه االمنظمة الوصول إلى اتفاقيات على إصلاح نظم تجارة السلع الزراعية، ونظم التجارة الإلكترونية، إصلاح  نفسها.

وفي اليوم الختامي الرسمي للمؤتمر، عاد الوزير الهندي ليشدد على "حزن" بلاده للنتائج، قائلاً: "للأسف لا تزال بعض الدول تصر على مواقفها،  ولا تسمح بالتقدم في المحادثات، لكنه لم يتحدث عن قبول الهند بالتراجع عن رفض تمديد إعفاء التجارة الإلكترونية من الرسوم.

دول صغرى

وإذا كان الموقف الهندي معروفاً مسبقاً، فإن المشاركين في المؤتمر لم ينتظروا، أن تشكل الدول الصغيرة، خاصة الدول الجزر، عائقاً حقيقياً أمام التوصل إلى اتفاق جديد. ولكن مجموعة من الجزر في المحيط الهادئ مثل ببابوا غينيا الجديدة، وجزر سليمان، وفيجي، شكلت مفاجأة حقيقية برفضها مسودة اتفاق على تغيير  سياسات دعم صيد الأسماك.

وقال نائب رئيس وزراء فيجي مانوا سيرو كاميكاميكا. لرويترز، إن الاتفاق لم يذهب بعيداً بما يكفي: "نود أن تضع الدول الكبيرة التي تدعم سقفاً للمستوى الحالي للدعم" .

ورغم ذلك، قالت مصادر من المؤتمر، إن الدول الأعضاء، أو على الأقل عدداً كبيراً منها وافق على إصلاح  قواعد الخدمات في التجارة الدولية، وقال مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، إن قواعد جديدة اعتُمدت لتسهيل تجارة الخدمات بين أكثر من 70 دولة عضو، رغم الاعتراضات الأولية التي أبدتها الهند، وجنوب أفريقيا، لكن هذا التقدم النسبي، لن يكون كافياً إذا لم تعتمده الدول الأعضاء الـ164، بالإجماع، عملاً بالقانون الداخلي للمنظمة. وأضاف المفوض "واجهنا معارضة من عضوين في المنظمة، لكن روح التوافق سمحت بتجاوز العقبات في نهاية المطاف" دون تسمية أي دولة.

فيتو أمريكي

في المقابل، ورغم أنها لم تُعارض صراحة القضايا التي طرحها المؤتمر، مثل الهند، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، والتي تطال الرسوم على التجارة الإلكترونية، أو الصناعات الثقافية، فإن الولايات المتحدة، في موقف لا تُحسد عليه، لأنها ترفض ببساطة إصلاح قضية تسوية النزاعات، رغم أنها لا تُعلن ذلك صراحة.

وفي هذا السياق تتهم الدول الأخرى، خاصةً الصين، والهند بدرجة أقل واشنطن، بعرقلة إصلاح منظمة التجارة الدولية، بعد رفضها تجديد أعضاء لجنة تسوية المنازعات التجارية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بعد صراعه التجاري مع الصين، وبعض الدول الأخرى، وحتى مع الاتحاد الأوروبي، عندما أقر رسوماً انتقامية على الواردات من هذه الجهات، وهي الرسوم التي رفضتها هيئة تسوية المنازعات السابقة، لأنها كانت مدفوعة بأسباب سياسية.

دعم الزراعة

ولا تقتصر مشاكل المنظمة على هذه الخلافات، ولكنها تمتد إلى قطاع الزراعة الحيوي، الذي يُمثل واحدة من أكبر العقبات التي يسعى المؤتمر إلى تجاوزها، بعد ظهور تكتل دولي واسع يجمع قرابة 20 دولة، بينها قوى زراعية كبرى مثل البرازيل، والأرجنتين، ولكن أيضاً كنداً، وأستراليا، وحتى إندونيسيا،  لاستهداف الاتحاد الأوروبي.

وتطالب هذه الدول، بإلغاء السياسة الأوروبية الموحدة للدعم الزراعي،  أو على الأقل تقليصها إلى النصف بحلول 2034، لأنها تمثل مساعدات مالية مباشرة للمزارعين في دول الاتحاد الـ27، على حساب المنتجين في دول العالم الأخرى، وإخلالاً بمبدأ المنافسة العادلة، وهو ما لا يُمكن للاتحاد الأوروبي قبوله، وهو الذي يستعد لانتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو (حزيران) المقبل، وبالتزامن مع التحركات، والاحتجاجات في كامل الدول الأوروبية، للمطالبة بزيادة الدعم، لا حرمان المزارعين منه.

كورونا

ورغم أنه ليس من الملفات الخلافية الشهيرة، أو التي كثر عنها الحديث، لكن الهوة بين الدول الغنية والفقيرة، والخلافات على مواجهة الكوارث والجوائح مثل كورونا، تهدد الاتفاق على هذا الملف في منظمة التجارة.

فبعد جائحة كورونا في 2019، ظهر توافق عالمي على تسريع وتيرة إنتاج وتوزيع اللقاحات التي أمكن اكتشافها بعد مدة قياسية، وإعفاء الدول من الرسوم التي تفرض لحماية حقوق ملكية الأدوية واللقاحات لمواجهة الجائحة. ولكن اليوم وبعد تجاوز كورونا، ومخلفاتها عادت المواقف إلى التباعد بسبب البعد المالي الضخم.

وبمناسبة المؤتمر الوزاري الثالث عشر في أبوظبي، عادت الدول الغنية خاصة للمطالبة بحماية حقوق الملكية الفكرية، للقاحات والأدوية الحالية أو التي ستظهر في المستقبل لمواجهة آفات جديدة منتظرة، وكل ما ستقتضيه من معدات طبية وصحية، للتشخيص والرعاية والعلاج، والمطالبة بحماية حقوق مبتكريها ومصنعيها في الدول الغنية.

وانقسمت دول المنظمة، إلى معسكرين، تقود الأول دول مثل جنوب أفريقيا، والهند، ودول نامية أخرى، في حين يقود الاتحاد الأوروبي تحالفاً يجمع في صفوفه دولاً مثل بريطانيا، وسويسرا، التي تطالب بإلغاء الإعفاءات والعودة إلى العمل بنظام حقوق الملكية، لأن عائداتها المالية الهائلة، تمثل الطريقة الوحيدة لضمان استمرار تمويل البحوث العلمية، والاكتشافات والاختراعات.

وفي الأثناء تتواصل المفاوضات الماراثونية، لانتزاع أقصى ما يمكن من توافقات على الإعلان الختامي للمؤتمر، لمنع انهيار المنظمة مع ما يعني ذلك من عواقب وخيمة على التجارة والاقتصاد الدوليين.