الإثنين 18 مارس 2024 / 13:54

كُتُبٌ مٌبْصِرَةٌ (3ــ 8)

  "الإسلام في الألفيَّة الثَّالثة".. إجابات "أسئلة الصُّعوُد"

"تأتينا الكُتُب محمّلة بمعرفة ـ يقينيّة أو ظنيّة ــ هي بنات أفكار مؤلفيها، فتأخذنا معها إلى عوالم المتعة، والبحث، والمساءلة أحيانا، ومن خلال البصيرة ـ تدبراً وتأملاً ـ نستحضر معها الماضي، ونعيش معها الحاضر، ونتسابق معها نحو غد واعد، فتبدو لنا الأماكن مفتوحة ـ والزمن ممتدا، حتى لو كانت الكتب متعلقة بقضية واحدة، تنوعت الرؤى حولها، وتعددت طرق البحث فيها، على النحو الذي سنراه في هذه القراءة الرمضانية لثمانية كتب، خاصة بـموقع (24:)

في الحديث عن الإسلام من طرف الغربيين الذين يعتنقونه ـ وكثيرا ما يقع ذلك بعد تجاربهم في ديانتهم الأصلية وتساؤلاتهم الوجودية حول عدد من القضايا ــ يظهر لديهم صدام، أو لنقل نوعا من التدافع، بين واقعين متناقضين
الأول: واقع عاشوه قبل الإسلام، ترتب عليه الحاجة للتغيير من المنظور الإيماني في ظل عالم متقدم على المستويين العملي والتقني، لكنه يُعاني من أمراض جمّة (نفسيّة، واجتماعيّة، واقتصاديّة، وروحيّة، وغيرها).
والثاني: واقع جديد هو على النقيض من الأول، تحركه حالة الانتماء لمنظومته القيميَّة، التي قد تساعد على إحداث نوع من التوازن للذات السائلة أو الباحثة، بما يحمله من وعود أخروية، هي على مستوى الإدراك والوعي مؤكدة التحقق، على غرار ما يؤمن به معظم المسلمين.
في قراءتنا لمؤلفات أولئك الكتاب نحاول تعميق المعرفة، وفًهْم النتائج المستخلصة من تجاربهم الإيمانية، خاصة على المستوى الحضاري، لكننا لا نقدم أحكاما قاطعة على المآلات التي ينتهون إليها من الناحية البحثية، حيث يتقدم الإيمان عن البحث، الأمر الذي يجعلهم في حال من الفرار إلى عالم يقيني يقوم على مواقف فكرية ذات طابع أيديولوجي.
كما أنه يأتي حاملاً لقضايا مصيريَّة نابعة من الإيمان، على النحو الذي يطرحه الإسلام في بعده النظري ضمن خطاب منبثق من القرآن، ومستجيباً لمتطلّبات الإيمان على مستوى أداء الفروض مثلاً، ولفهم المزيد حول هذا الموضوع نقف عند تجربة كاتب دخل الإسلام، ثم تحوَّل إلى عضو نشط ـ فكريّاً ـ في فضائه من داخل المجتمع الغربي، وهو الكاتب الألماني الدكتور مراد هوفمان.

وادي السِّيلِيكُون.. ومكَّة

في كتابه "الإسلام في الألفيّة الثّالثة.. ديانة في صعود"، ينطلق هوفمان من فكرة أساسيَّة، مفادها: "أن الإسلام لم يشهد تحوّلا له، ولا تحقيقا لجوهره في الحياة العملية، لا في عهد الأمويين الذين حكموا من دمشق حتى عام 750م، ولا في ظل حكم العباسيين من بغداد، والذي امتد حتى القرن الثالث عشر.. ولا حتى في قمة ازدهار الحضارة الإسلامية بالأندلس قبل حلول عام 1492م"(10).
السؤال هنا: هل محاولة تحقيق جوهر الإسلام من المؤمنين به في الغرب ممكنة، ما دام المسلمون يؤمنون بتعميق معرفتهم بدينهم في الحاضر أكثر من الماضي، اعتماداً على الوسائل العلميّة الحديثة؟  
لا أدري، إن كان المؤلف قد طرح هذا السؤال على نفسه بشكل مباشر، لكن الذي تراءى لي، هو محاولة الاقتراب منه، والأهم من ذلك دعوته لنجدة الغرب، على رغم من شعور هذا الأخير بوجود قطبين في العالم اليوم، هما: قطب وادي السيليكون، وقطب مكة، ولِمَا لهذا الأخير من دور منتظر في صناعة الأمن والاستقرار والطمأنينة للنفس البشرية.
من ناحية أخرى، يرى هوفمان، كما يظهر من الصفحات الأولى لكتابه ــ ترجمة عادل المعلم ويسن إبراهيم ــ حقيقة ضمّنها في قوله الآتي: "لن ينكر معاصر درس للثقافات والسياسات أن تطور عالمه ـ أيّا كان موقعه الجرافي ــ في القرن الحادي والعشرين سيتأثر ـ إن لم نقل سيكون محكوما ــ بما سيشهده الإسلام وبما سيوثر فيه؟" (ص 12)
وأتبع السؤال السّابق بأسئلة أخرى، اعتبرها خلفيَة الكتاب، وسعى للإجابة عنها، باعتبارها تحدد العلاقة المستقبلية بين الإسلام والغرب.

طريق العلاج

أسئلة كثيرة طرحها هوفمان، حاول أن يقدم لها إجابات من خلال وقوفه عند محطات كثيرة شملت الخطاب المختلف والمشترك، المرفوض والمقبول، المتجه نحو النهايات من ناحية الإفلاس، والمقبل من بعيد في تطور يثير عجباً.
بذلك يشدنا هوفمان إليه، ويجعلنا رغم وجودنا في عالم شرقي مختلف عن العالم الغربي في كل شيء، نرى أنفسنا جزءاً من منظومة وجودية كونية، تعجُّ بالبشر رغم اختلافاتهم وتناقضاتهم إلا أنهم يلتقون عند مبدأ "التعارف"، وعندها وجب علينا الاشتراك مع العالم الغربي في تقديم إجابات للأسئلة الآتية:
·        هل سيقوم العالم الإسلامي بتحديث نفسه؟
·        وهل سيتمثل لأسلوب الحياة الأمريكي، أم سيفرضه؟
·        وهل سيستمر انتشار الإسلام في الغرب كما حدث في الثلث الأخير من القرن العشرين؟، وهل سيتم هذا بالوسائل السلمية؟
·        ما النتائج المترتبة بالنسبة للغرب والمؤثرة فيه في حالة فشل العالم الإسلامي في القيام بعملية تجديد أخلاقي وإحياء لبنائه؟
·        وما النتائج المرتقبة في حالة نجاح العالم الإسلامي في أن ينهض من جديد؟
·        وهل يصبح الإسلام بالفعل ديناً يسود العالم"؟
·        وهل يصبح الإسلام في هذه الحالة العلاج والشفاء الذي سينقذ الغرب من نفسه؟
·       وهل سيصبح الغرب قادرا على الاعتراف بالإسلام كدواء يصلح لشفائه.. دواء يساعده على تخطي أزماته؟
محاولات هوفمان للإجابة عن الأسئلة السابقة، اجتهادا واقترابا وتحليلا، أفضت إلى أن الإسلام ديانة في صعود.