القاعدة الأمريكية في أغاديز
القاعدة الأمريكية في أغاديز
الأحد 24 مارس 2024 / 12:31

لماذا يريد عسكر النيجر طرد القوات الأمريكية؟

زار وفد حكومي أمريكي مؤخراً النيجر من أجل "مواصلة المناقشات الجارية منذ أغسطس (آب) مع قادة المجلس الوطني لحماية الوطن بشأن عودة النيجر إلى المسار الديمقراطي ومستقبل شراكتنا الأمنية والتنموية"، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية.

كانت النيجر دولة مفضلة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في أفريقيا

والمجلس الوطني لحماية الوطن هو المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في النيجر في يوليو (تموز) 2023، في انقلاب وسّع نطاق سلطة العسكر على السلطة في منطقة الساحل. بالنسبة للولايات المتحدة، كان الانقلاب النيجري الأهم للولايات المتحدة، نظراً للتعاون الأمني المكثف والقديم، بما في ذلك وجود قاعدة أمريكية رئيسة للطائرات المُسيرة في مدينة أغاديز الشمالية.

أسباب فشل الزيارة

وفي هذا الإطار، أفاد أليكس ثورستون باحث غير مقيم في معهد كوينسي وأستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة سينسيناتي، بأن الزيارة باءت بالفشل. فقد كان من المقرر بداية أن تتم يومي 12 و13 مارس (آذار)، غير أن الوفد مدَّد إقامته ليوم واحد على أمل لقاء رئيس المجلس العسكري الجنرال عبدالرحمن تياني، غير أن اللقاء لم يحصل. ثم أعلن المجلس العسكري الوطني في 16 مارس(آذار) أنه يرفض اتفاقات التعاون العسكري بين النيجر والولايات المتحدة.


وأشار المجلس العسكري إلى أنه في غياب ما يعده اتفاقاً قانونياً وقابلاً للتطبيق بشأن وضع القوات (في إشارة إلى وثيقة عام 2013 التي يرفضها المجلس العسكري الآن)، لم يعُد الأفراد المدنيون والعسكريون الأمريكيون في النيجر محل ترحاب. ويعكف البنتاغون والحكومة الأمريكية الأوسع نطاقاً على دراسة الآثار المترتبة على هذا البيان، في الوقت الذي تحاول فيه إقناع السلطات النيجرية بالسماح للأمريكيين بالبقاء.
وأضاف الكاتب في مقاله بموقع "ResponsibleStateCraft" "دبلوماسياً، يبدو أن الجانب الأمريكي قد تعثَّر من عدة نواحٍ. فقد انتقد المتحدث باسم الحزب الشيوعي النيجري الولايات المتحدة لإعلانها "الأحادي الجانب" عن موعد وصول الوفد وتشكيله، وقال إن السلطات النيجرية استقبلت الوفد من باب المجاملة وحسن الضيافة. ويحتمل أيضاً أن يكون الأمريكيون قد أهانوا مضيفيهم دون قصد بإرسال ما عدَّته الولايات المتحدة فريقاً "رفيع المستوى" وعدَّه النيجريون فريقاً متواضعاً.
وكان الوفد برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية مولي بي وقائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال مايكل لانغلي، وضمَّ مسؤولين كباراً آخرين مثل مساعدة وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي سيليست والاندر.
ويقول الكاتب: "أعادت هذه الواقعة إلى ذهني ذكريات فترة زمالتي في وزارة الخارجية التي استمرت لمدة عام في 2013-2014. خلال تلك الفترة، صدمني أن منصب مساعد وزير الخارجية عُدَّ ضمنياً منصباً يعادل في رتبته رئيس دولة أفريقية".

الغطرسة الأمريكية

وأوضح الكاتب "داخل أروقة وزارة الخارجية (وأعتقد داخل وزارة الدفاع والقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا)، يُعامِل المرؤوسون كبار المسؤولين باحترام غير عادي، وأحياناً بالرهبة. ولكن ليس هناك سبب يدعو قائداً أفريقياً إلى رؤية الأمور بهذه الطريقة. فإلقاء مسؤول أمريكي محاضرة على مسؤول أريفي أعلى مستوى ليس أمراً مستحباً. بالنسبة للمجالس العسكرية الجديدة في منطقة الساحل، التي تشدد على نوع معين من السيادة ولم تخجل من معاداة باريس، لا يُستبعد عليها أن توبِّخ الأمريكيين بسبب غطرستهم.


والتقى الوفد رئيس الوزراء النيجري علي الأمين زين وأعضاء كباراً في المجلس العسكري في النيجر، مثل الجنرالين ساليفو مودي ومحمد تومبا. لكن الكاتب يرى أن أحد أسباب عجز الوفد عن لقاء تياني هو أنهم أخطأوا في قراءة مدى الجدية التي يريد النيجريون أن يُعامَلوا بها.

انتقادات بسبب التعاون مع روسيا

ويبدو أن الحوار قد باء بالفشل. ووفقاً لبعض التقارير، يبدو أن المسؤولين الأمريكيين كانوا ينتقدون لجوء النيجر إلى روسيا وبدرجة أقل إلى إيران. ويبدو أن المجلس العسكري قد سئم الانتقادات الموجهة للجنرالات بشأن تعاملهم مع "الانتقال" إلى الحكم المدني. وهي انتقادات مستحقة تماماً، حسب الكاتب، إذ لا يبدو أن هناك عملية انتقالية جادة جارية.

وتسلط هذه الحادثة الضوء على التضليل الذي اتسمت به السياسات الأمريكية تجاه النيجر قبل الانقلاب، وعدم اتساق عملية صنع السياسات الحالية. وفيما يتعلق بسياسات ما قبل الانقلاب، كانت النيجر دولة مفضلة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في أفريقيا. وكان غض الطرف عن التجاوزات المدنية (لا سيما في عهد الرئيس محمدو إيسوفو من 2011-2021) والانتهاكات العسكرية مبرراً منذ فترة طويلة تحت اسم "الشراكة".
لكن هناك نقطة تستدعي تفكير صانعي السياسة الأمريكية. لماذا لم يُترجم التقارب المفترض بين جيشي البلدين - بما في ذلك العلاقات طويلة الأمد على المستوى القيادي - إلى أي تأثير أمريكي جوهري على المجلس العسكري؟ إذا كانت الاستثمارات الضخمة في التدريب والبنية التحتية تتبخر مع كل تغيير سياسي، وإذا لم يُثبت جدوى تلك الاستثمارات في الحد من تمرد الساحل، فما قيمتها إذن؟ يتساءل الكاتب ويقول:
"على صعيد صناعة القرار الراهن، يبدو المسؤولون الأمريكيون في حيرة من أمرهم بشأن مرادهم، الأمر الذي كان جلياً خلال شهور المماطلة بشأن تفعيل القانون الأمريكي الداعي إلى تعليق المساعدات الأمنية للدول التي تشهد انقلابات. وبدا أحياناً أن الولايات المتحدة تنظر إلى المجلس العسكري في النيجر بشكل أكثر إيجابية، مقارنة بالمجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو".
وعزا الكاتب ذلك إلى الاستثمارات الأمريكية الضخمة والتكاليف الباهظة التي دُفِعَت في النيجر. ومع ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة أيضاً تُحاضر النيجر بشأن الديمقراطية وروسيا وغيرهما. ربما حسبت الوفود الأمريكية أن قوة الولايات المتحدة وهيبتها ومواردها ستستمر في إثارة إعجاب النيجر. لكنهم أخطأوا التقدير، وبالتالي لم يحققوا أياً من الهدفين المتناقضين للسياسة الأمريكية، ولم يُحرزوا تقدماً يُذكر على صعيد تعزيز الديمقراطية أو التعاون الأمني.

أخطاء دبلوماسية

واختتم الباحث مقاله بالقول: "قد تنقذ الولايات المتحدة شيئاً ما في النيجر، ولكن إذا خرجت من المشهد، فلن يكون خروجها بالضرورة مأساة للنيجريين أو الأمريكيين. ومن المحزن أن عدم اتساق السياسة الأمريكية والأخطاء الدبلوماسية ربما تكون قد أهدرت أي فرصة كانت متاحة لممارسة ضغط حقيقي على المجلس العسكري بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان".