الرئيسان الصيني شي جين بينغ والأمريكي السابق دونالد ترامب
الرئيسان الصيني شي جين بينغ والأمريكي السابق دونالد ترامب
الثلاثاء 26 مارس 2024 / 14:03

هل تخشى الصين عودة ترامب؟

تناولت طالبة الدكتوراه في كلية العلاقات الدولية بجامعة جينان الصينية يو وانغ ما وصفته بأنه أحد أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام في المناقشات الدائرة حول احتمال فوز دونالد ترامب بولاية ثانية: هل تخشى الصين هذا الاحتمال؟

ربما تكون الصين قادرة على جني بعض الفوائد من نهج ترامب المتمرد

تشير وانغ في مجلة "ذا ديبلومات" إلى أن العديد من المحللين يعتقدون أن الصين تخشى عودة ترامب إلى السلطة.

وأحد الأسباب الرئيسية التي يستشهدون بها هو احتمال قيام ترامب بتبني سياسات اقتصادية غير عقلانية وصارمة للغاية تجاه الصين.

وفي فبراير (شباط)، هدد ترامب بفرض رسوم جمركية تفوق 60% على البضائع الصينية، وعلى خلفية ضعف الصادرات الصينية، تشكل مثل هذه السياسات الحمائية مصدر قلق كبيراً للحكومة الصينية.
وبعيداً من الرسوم الجمركية، يستطيع ترامب أيضاً أن يتبنى سياسات أكثر عدوانية في ما يتصل بضوابط التصدير والتدقيق في الاستثمار، وهو ما سيلحق ضرراً كبيراً بصادرات الصين واستثماراتها الأجنبية.

هل تنتكس العلاقات مجدداً؟

تحسنت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة خلال العام الماضي، ومع ذلك، ثمة قلق واسع النطاق من أن صعود ترامب إلى الرئاسة قد يؤدي إلى تفكيك آليات المشاركة البناءة التي أنشأها كبار القادة في كلا البلدين خلال العام الأخير.
وفي أعقاب القمة الرئاسية الصينية-الأمريكية في كاليفورنيا سنة 2023، دخلت الدولتان بالفعل مرحلة من العلاقات الأكثر اعتدالاً وتفاعلية. بالرغم من الشكوك حول مدى التقدم العملي الذي يمكن أن تحققه الصين والولايات المتحدة، استأنف الجانبان الحوارات الرسمية الرفيعة المستوى في مجالات مثل الفنتانيل والذكاء الاصطناعي والاقتصاد ــ وهي الحوارات التي كانت شبه معلقة في السنوات السابقة.

وفي سبتمبر (أيلول) 2023، أنشأ البلدان مجموعات عمل اقتصادية ومالية، أعقبتها مجموعة عمل خاصة بمكافحة المخدرات في فبراير (شباط) 2024، ومن المنتظر أن تشارك في مناقشات حول الذكاء الاصطناعي قريباً. 

وتمتد عملية إعادة التواصل أيضاً إلى مستوى الأفراد. أعلنت وزارة النقل الأمريكية أنه اعتباراً من 31 مارس (آذار) 2024، سيُسمح لشركات الطيران الصينية بتشغيل 50 رحلة ركاب ذهاباً وإياباً بين الصين والولايات المتحدة في الأسبوع.
وثمة تقارير تفيد بأنه من المقرر قيام وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بزيارة الصين للمرة الثانية قريباً، مما يشير إلى أن الاتصالات الرفيعة المستوى بين البلدين ستستمر سنة 2024.
ويعتقد بعض المحللين أن لدى الحكومة الصينية سبباً لتخاف من إمكانية أن تقلب إدارة جمهورية بشكل كامل الجهود التي بذلت في هذه الحوارات.

في نهاية المطاف، ربما يفضل ترامب تعيين مقربين منه بدلاً من المتخصصين لإدارة العلاقات الصينية-الأمريكية.

ماذا عن تايوان؟

أظهرت ولاية ترامب الأولى أن قراراته في السياسة الخارجية مشبعة بشدة بأسلوبه الشخصي، مما أثار مخاوف داخل الحكومة الصينية بشأن تجاوزه للخطوط الحمراء في بعض القضايا الحاسمة بين الصين والولايات المتحدة.
بشكل عام، يُعتقد أن ترامب لا يعطي الأولوية لقضية تايوان على المستوى الشخصي، مما يترك المجال لإجراء تعديلات على سياسات الصين عبر المضيق. مع ذلك، يرى بعض المحللين أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب يعني أن سياساته بشأن تايوان يمكن أن تتجاوز توقعات بكين، بما في ذلك توسيع محتمل للتعاون العسكري، بخاصة في ضوء فوز لاي تشينغ تي بالانتخابات في تايوان. 

كما لاحظت روري دانيالز من معهد سياسات مجتمع آسيا، أن "سيناريو الكابوس الحقيقي في بكين لا يتمثل بالضرورة في مشاهدة فوز لاي تشينغ تي برئاسة تايوان، ولكنه يتمثل في مزيج من لاي تشينغ تي وربما عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض".
وهذه كلها مخاوف مشروعة بالنسبة إلى الصين. لكن في الواقع، ثمة أسباب أقوى للاعتقاد بأن الصين لا تخشى عودة ترامب.

خبرة لا تقدر بثمن

أضافت الكاتبة أن الصين مستعدة لأي سياسات متشددة قد يفرضها ترامب.

بعد ولايته السابقة، أدرك المجتمع الاستراتيجي الصيني أنه ليس مجرد رجل أعمال تقايضي، وأن ثمة حاجة إلى الاستعداد لسياساته المتطرفة تجاه الصين. وكانت الخبرة التي اكتسبتها خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه لا تقدر بثمن بالنسبة إلى الحكومة الصينية.
في الواقع، إن أي تعديلات على سياسات الولايات المتحدة تجاه الصين خلال ولاية ثانية محتملة لترامب ستحمل تأثيراً أقل هذه المرة.

ففي المجال الاقتصادي بشكل خاص، وتحسباً لزيادة محتملة على الرسوم الجمركية، قامت الحكومات المحلية في جميع أنحاء الصين بزيادة الاستثمارات في التصنيع، مع تنويع قنوات التصدير بنشاط.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه لا تراود الصين أي أوهام بشأن قيام الولايات المتحدة بتخفيف سياساتها تجاهها بشكل حقيقي.

حتى بعد عام من التفاعلات الإيجابية مع إدارة بايدن، لم تتفاجأ الحكومة الصينية بإعلان الرئيس الأمريكي منع السيارات الكهربائية الصينية من دخول السوق الأمريكية وتوسيع ضوابط التصدير على أشباه الموصلات والحوسبة السحابية، من بين سياسات أخرى.

وبالنسبة إلى المجتمع الاستراتيجي الصيني، لا يوجد تصور بأن بايدن أو ترامب أفضل بالنسبة إلى الصين، إنها مسألة من هو الأقل ضرراً.

ويعتقد العديد من الباحثين الصينيين أنه "بغض النظر عمن سيتولى المنصب، لن يتغير الاتجاه العام للمنافسة الاستراتيجية الأمريكية مع الصين".

هل يأتي ترامب لفوائد للصين؟

وفق الكاتبة، ربما تكون الصين قادرة على جني بعض الفوائد من نهج ترامب المتمرد في التعامل مع الدبلوماسية. أدت سياسة ترامب الخارجية، وبخاصة مبدأ "أمريكا أولاً"، إلى تباعد بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها التقليديين في منطقة آسيا-الهادئ وأوروبا.

ولم تكن هذه القطيعة واضحة في الخطاب الدبلوماسي وحسب، بل أيضاً في تنفيذ سياسات محددة، مثل انسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ والتشكيك في قيمة حلف شمال الأطلسي وفرض الرسوم الجمركية على شركاء تجاريين.
وفي غياب قدرة على التواصل لدى الولايات المتحدة، قد تعمل الصين على إقامة علاقات أوثق مع أوروبا ودول أخرى في منطقة آسيا-الهادئ، وهذا سيساعد استراتيجيتها في توسيع الانفتاح على العالم الخارجي.

ثمة تقارير تفيد بأنه من المقرر أن يجري المستشار الألماني أولاف شولتس زيارته الثانية للصين في أبريل (نيسان) 2024، وقد يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ أيضاً دولاً مثل فرنسا وصربيا في النصف الأول من هذه السنة.

ومن المحتمل جداً أن تبدأ المناقشات بين تلك الدول حول كيفية الاستعداد المشترك لفوز ترامب المحتمل هذه السنة.

لهذه الأسباب، ختمت وانغ، لا تخشى الصين عودة ترامب، كما لا تراودها أي أوهام بأن ولاية ثانية لبايدن ستقدم فوائد كبيرة للصين.