الأربعاء 27 مارس 2024 / 22:49

"كسر عضم" مسلسل سوري يخلو من الدراما

اعتمد الجزء الثاني من مسلسل "كسر عضم"، مثل جزئه الأول، على شغف المشاهدين بفضح قصص الفاسدين، خاصة ضباط الأمن، وآخرين لا نعرف مواقعهم، وعلينا كمشاهدين أن نتكهن مواقعهم القيادية في السلطة، والكتّاب السوريين يفعلون ذلك عادة هرباً من الرقابة، ما يجعل المعالجة أو المضمون هشاً، وعناصر الإقناع في مثل هذه الأعمال زئبقياً غالباً إلى درجة العدم!   

أين محددات الصراع؟ وحول ماذا الصراع؟ وإلاّ ليس لدينا دراما فما نشاهده حكايات فقط لا ترقى لحكايات الجدات

لعلّ شركة الإنتاج تقدم جوائز لمن يستطيع الاستمرار بالمشاهدة لما بعد الحلقة العاشرة

استعراض للقتل

كتب الجزء الأول "علي معين الصالح"، الذي سلط الضوء فيه على ممارسات وتجاوزات للقانون من قبل رجال أمن وقياديين، مشيراً إلى فسادهم ومسلطاً الضوء على ثرواتهم الخرافية التي جمعوها بشكل غير قانوني، وإلى تهريب بعضها خارج البلد، والبعض الآخر ظل في حوزتهم.
كما سلط الضوء على ممارسات هؤلاء على شريحة واسعة من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة، والذين لا يمكنهم الحصول على قوت يومهم.
أخرجته رشا شربتجي بكثير من الأخطاء، نَحَتْ فيه الأسلوب الروماني في الفن الذي يتم فيه استعراض المزيد من مشاهد القتل والدم.
أمّا الجزء الثاني فهو من كتابة "هلال أحمد، رند حديد" عن فكرة لشركة كلاكيت ميديا المنتجة للعمل، ومن إخراج كنان موسى إسكندراني.
شاهدنا في الحلقات العشر الأولى أن ثمة تحقيقاً أمنياً ومحاسبة لرجال مرموقين من دون أن نعرف كمشاهدين عن ماذا يُحقق معهم "العميد كنعان الصايغ" الذي يجسّد دوره الفنان رشيد عساف، وما هو الملف أو الملفات التي يبحث عنها ويأمر المقدم "إبراهيم/ أحمد الأحمد" البحث عنها في منزل " أبو رولا/ سهيل حداد" الضابط الذي انتحر، بعد إقامة جبرية، وأن ثمة آخر ما يزال مطلوباً هو "أبو مصطفى" يجسد دوره عبد المنعم عمايري، وتتم محاولة تهديده للاستسلام على طريقة زعران الحارة! رغم أن الضابط كنعان يستطيع استخدام سيارات مصفّحة واقتحام المزرعة التي تأكد له وجوده فيها في قريته، وإلقاء القبض عليه وعلى عناصره الذين لا يملكون سوى أسلحة فردية والتي لن تصمد أمام السيارات المصفحة، لكن ذلك لا يتم من دون أي مسوّغ!

غياب محددات الصراع

وكما في الجزء الأول كذلك في الجزء الثاني، لا نعرف من هم أطراف الصراع لما يسمى عملاً درامياً، فأين محددات الصراع؟ وحول ماذا الصراع؟ وإلاّ ليس لدينا دراما، فما نشاهده حكايات فقط لا ترقى لحكايات الجدات.
وإلاّ ماذا يعني أن نشاهد العديد من السجناء الذين لا تشي تصرفاتهم كما اعتدنا أن نشاهد في الكثير من المسلسلات على أنهم مجرمون ارتكبوا جرائم متنوعة، فهم إذاً على الأغلب سجناء سياسيون، فلماذا لم تتم الإشارة إلى ذلك بشكل واضح درامياً؟ وكأن أسرة العمل آخر همها دعم عملها بمحور درامي هام، وبمقاربة جريئة، مكتفين من ألوان معاناة الإنسان السوري، بالإشارة إلى انقطاع التيار الكهربائي، الذي هو واقعياً مقطوع عن كل المدن والقرى السورية، ولا يزال يتفاقم منذ أكثر من أربع سنوات، تمت الإشارة إليه بشكل خاطف وسطحي بوهم أنهم قاربوه في العمق، وكذلك محنة الحصول على ربطة الخبز أو أسطوانة الغاز، وعدم توافر وسائل المواصلات، وغلاء أجورها.

غياب الحياة

ولنا كمشاهدين أن نستغرب أن وهن القدرة الشرائية لليرة السورية، وتدني أجور موظفي القطاع العام، وكل الضغوطات، التي تراكمها سَحَبَ من حياة الإنسان السوري، اسمها ومظاهرها، لم يحرض صنّاع المسلسل كتابة وإخراجاً وإنتاجاً على توجيه أسئلة على لسان إحدى شخصيات العمل إلى الدولة بمؤسساتها، لماذا ما تزال عاجزة عن تأمين سبل الحياة لمن اختار أن يظل تحت سلطتها ولم يهاجر، وأن وضع الحياة من رديء إلى كارثي في ظل غياب آفاق وآمال تعدّل الوضع بأقرب فترة زمنية ممكنة لأن الدمار الاجتماعي والاقتصادي والصحي يكاد يقضي على ما لم تقض عليه الحرب، فليس ثمة إحصاءات على زيادة نسبة الوفيات بخاصة لمن هم في عمر الشباب؟ وليس ثمة إحصاءات لنسبة الأمراض المزمنة التي بدأ الأشخاص يعانونها في عمر مبكر، وهذا ما صرح به مدير عام مؤسسة التأمينات في حديثه عن مستجدات شركات التأمين الصحي، كما ليس ثمة إحصاء عن نسبة هجرة الشباب التي ستُدْخِل المجتمع في مرحلة الكهولة، كل ذلك غاب عن هذا المسلسل التلفزيوني الذي هو تربة خصبة للفت النظر إلى خطورة تلك المشاكل، وإلى أهمية الإسراع في معالجتها.

من غير المفهوم!

وليس أخيراً، لا بد للمشاهد أن تستوقفه الجملة التي قالها الممثل "جمال قِبْشْ" في بداية المسلسل، من دون أن نعرف منصبه، عن تعيين العميد كنعان لمعالجة وضع بعض الفاسدين أنهم بحاجة لشخص وسخ مثلهم. لكن من دون أن نفهم ما المقصود! وإن كنا سنتكهن أن الذين يطاردهم هذا العميد ويريد إلقاء القبض عليهم يستحقون العقاب لأسباب فسادهم، بشكل قانوني، أم ستتم تصفيتهم على طريقته!
وكيف نفسر توجيه الأمر لمساعده، بمعالجة وضع الرائد يونس، الذي جسده الممثل يزن خليل، بعد أن شاهد له شيئاً ما على الموبايل، ومن ثم شهدنا محاولة اغتياله الفاشلة، التي هي تجسيد لأمر المعالجة! رغم أنهم أظهروه لنا بطلاً ألقى القبض على عصابة خطفت الصبية "يارا/ ولاء عزام"، من دون أن يتضح لنا كمشاهدين كيف علمت هذه العصابة بوجود شقيق لـ"يارا" خارج البلاد فخطفتها وطلبت فدية آلاف الدولارات، مع أنها لا تعرف الصبية ولا شقيقها!
حقاً هي مشاهد مضحكة سواء كانت تعرض لشخصيات إيجابية بفعلها أم لشخصيات سلبية، ما يزيد الجزء الثاني الذي أسموه "السراديب" وهناً على وهن.
ولعلّ شركة الإنتاج تقدم جوائز لمن يستطيع الاستمرار بالمشاهدة لما بعد الحلقة العاشرة.