مناورات في مياه نرويجية قرب القطب الشمالي
مناورات في مياه نرويجية قرب القطب الشمالي
الثلاثاء 2 أبريل 2024 / 16:26

روسيا متفوّقة على الناتو في القطب الشمالي

أكدت الباحثة البارزة في معهد هدسون ليزلوت أوغارد أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) غير مستعد لمواجهة القدرات العسكرية الروسية في القطب الشمالي.

ستتعاون موسكو مع بكين إذا تم احترام هذا الخط الأحمر

وتقترح تدريبات "المُدافع الصامد 2024" التي يجريها الناتو بمشاركة أكثر من 90 ألف جندي في المحيط الأطلسي وصولاً إلى القطب الشمالي، أن الحلف يتمتع بوجود دفاعي قوي وقادر في المنطقة، لكن نظرة فاحصة إلى قدرات دول القطب الشمالي، وجميعها أعضاء في الناتو باستثناء روسيا، تكشف عكس ذلك.
كتبت أوغارد في مجلة "فورين بوليسي" أنه تم الترحيب بعضويتي فنلندا والسويد مؤخراً في الناتو باعتبارهما نقطة تحول في الردع ضد روسيا في الشمال.

ومع ذلك، إن قرب هاتين الدولتين من شمال غرب روسيا يعني أن تركيزهما الاستراتيجي يستهدف في المقام الأول منطقة بحر البلطيق، حيث واصلت روسيا حشدها العسكري الموجه نحو الجناح الشرقي للحلف.

مكامن التفوق

ولا تمتلك أي دولة أطلسية سفناً معززة للإبحار في الجليد بقدرات مضادة للطائرات والغواصات.

وأعطت الولايات المتحدة وكندا والدنمارك وفنلندا والسويد الأولوية للقدرات المصممة لمسارح أخرى، مثل منطقة الإندو-باسيفيك وبحر البلطيق.

وتدير أيسلندا التي تفتقر إلى جيش نظامي سفن خفر سواحل فقط، وتمتلك النرويج سفن خفر سواحل معززة للإبحار في الجليد، لكنها ليست مصممة للعمليات العسكرية. 

ويمكن للغواصات النووية الروسية القادرة على شن هجوم ضد أمريكا الشمالية أن تسافر من بحر بارنتس عبر فجوة الدب بين الدول الإسكندنافية وجزيرة سفالبارد النرويجية، وتحت الجليد على طول ساحل شرق غرينلاند بدون أن يتم اكتشافها.

ويترك هذا فجوات كبيرة في الموقف الدفاعي للناتو. كما أن حرب روسيا في أوكرانيا تمنحها حوافز للعمل مع الصين في القطب الشمالي، بما في ذلك إجراء تدريبات بحرية مشتركة والتعاون في دوريات خفر السواحل.

أولوية قصوى.. مدعومة بالقدرات

رفعت العقيدة البحرية الروسية لسنة 2022 منطقة القطب الشمالي إلى الأولوية القصوى. بين 2014 و2019، قامت روسيا ببناء أكثر من 475 منشأة عسكرية في القطب الشمالي. ويمثل أسطولها الشمالي المتمركز في بحر بارنتس نحو ثلثي قدرات الضربات النووية للبحرية الروسية.

وثمة شبكة متعددة الطبقات من أجهزة الاستشعار وأنظمة الصواريخ وأنظمة الدفاع الساحلي وتكنولوجيا الحرب الإلكترونية لحماية هذه القدرات، بما فيها الغواصات الاستراتيجية.
وبالرغم من أن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ دق ناقوس الخطر سنة 2022، لا يزال الحلف يفتقر إلى استراتيجية قطبية، وتمتد منطقة مسؤوليته الحالية فقط إلى "الشمال العالي"، وهو مصطلح أقل طموحاً يصف الأجزاء الخالية من الجليد في القطب الشمالي.

ويشير هذا المصطلح إلى خلاف داخل الناتو حول ما إذا كانت صلاحياته تتجاوز شمال الأطلسي.
أضافت الكاتبة أنه مع ذوبان الجليد، تنخرط دول إضافية من خارج المنطقة في القطب الشمالي، وهو ما يهدد بالمزيد من ازدحام طريق بحر الشمال ويحفز روسيا على حماية نقاط الدخول والخروج إلى معقلها العسكري.

ماذا عن موقف الصين؟

تحتاج روسيا إلى التعاون بشكل أكبر مع بكين، في مجالات مثل الرقمنة والبنية التحتية والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، للاستفادة من الإمكانات الاقتصادية لطريق بحر الشمال وحماية أصولها الاستراتيجية. من ناحية أخرى، تهتم روسيا بالحفاظ على سيطرتها على ساحلها في القطب الشمالي. 

وستتعاون موسكو مع بكين إذا تم احترام هذا الخط الأحمر.

وبالرغم من أن الوصول إلى المنشآت والموانئ الروسية سيسمح للصين باستخدام قدراتها العسكرية في القطب الشمالي، بما في ذلك كاسحات الجليد والسفن شبه الغائصة، ليس لدى بكين مصلحة كبيرة في أن تصبح قوة عسكرية في المنطقة.

وبالرغم من المخاوف الصينية بشأن حرب الاستنزاف الروسية في أوكرانيا وتعاونها العسكري الاستراتيجي مع كوريا الشمالية، تستفيد بكين من احتفاظ موسكو بوضع قوي تجاه الناتو. ينطبق هذا بشكل خاص على القطب الشمالي، حيث من شأن وجود صيني دائم أن يفتح جبهة جديدة ضد حلفاء الولايات المتحدة في وقت تنخرط بكين في نشاطات ساخنة في فنائها الخلفي.

فجوة استراتيجية أخرى

يُعد خط الإمداد الذي يمر عبر فجوة "جيوك"، وهي المدخل المهم استراتيجياً إلى شمال المحيط الأطلسي بين غرينلاند وأيسلندا والمملكة المتحدة، طريقاً حيوياً للقوات الأمريكية والكندية لنشر وإرسال الإمدادات إلى شمال أوروبا في حال وقوع حرب عسكرية مع روسيا. يمكن لموسكو حالياً تعطيل خط الإمداد هذا بدون تدخل الناتو، لأن الدول النوردية لا تملك القدرات اللازمة لاكتشاف القوات الروسية العاملة في فجوة الدب وقبالة ساحل شرق غرينلاند.
يضيء هذا التباين على تمتع دول مثل النرويج والدنمارك بموازنات دفاعية محدودة مقابل مسؤوليات كبيرة من ضمنها توفير القوات في منطقتي القطب الشمالي والبلطيق، وكذلك، في حالة النرويج، توفير قوات على الحدود البرية مع روسيا.
بحسب الكاتبة، تفسر القيود المفروضة على الموازنة التردد في اكتساب القدرات الباهظة الثمن لتحمل المسؤوليات التي ينبغي أن تقع على عاتق جميع دول الأطلسية القطبية. لكن قلة الرغبة المنتشرة على نطاق واسع بين جميع الأعضاء بالاستثمار في القدرات القطبية قابلة للتفسير بسهولة: لقد ركز الناتو على حث الدول الأعضاء على إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، والاستثمارات في القدرات القطبية مثل السفن البحرية المعززة للإبحار في الجليد لا تُعدّ مساهمات في الحد الأدنى من متطلبات هذا الإنفاق. يأتي ذلك على حساب أمن القطب الشمالي الذي ترغب روسيا في استغلاله.

قد ترد بقوة كبيرة

وسط التوترات المتصاعدة مع روسيا، من المهم ألا يتجاهل الناتو تهديد موسكو في القطب الشمالي.

لكن ذلك لا يعني أن على الحلفاء الأطلسيين أن ينخرطوا في حشد عسكري ضخم يهدد بإثارة رد فعل عسكري روسي. من المرجح أن تفسر روسيا حرية عمليات الملاحة من الدول التي لا تقع على حدود المحيط المتجمد الشمالي، مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا، باعتبارها وجوداً تصعيدياً لدول أطلسية تفتقر إلى التزامات مشروعة للقيام بدوريات في القطب الشمالي.
إن روسيا التي ترى نفسها معرضة للضعف في القطب الشمالي قد ترد بقوة أكبر مما هو مرغوب به من وجهة نظر الناتو.

يشير هذا إلى ضرورة تولي الولايات المتحدة وكندا والدنمارك والنرويج المزيد من مسؤولية الردع في المنطقة من خلال التركيز على المناطق المتاخمة لأراضيها السيادية.

طريق طويل

ووقفاً للكاتبة، مع احتفاله بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه، ينبغي على الناتو التوصل إلى اتفاق بشأن استراتيجية قطبية. وينبغي عليه إعادة النظر في الحد الأدنى من متطلبات القوة وتحديثه والسماح للدول الأعضاء باحتساب تطوير القدرات القطبية الخاصة، مثل الفرقاطات المعززة للإبحار في الجليد، كمساهمات في أهداف الإنفاق الخاصة بالناتو.
وبحسب أوغارد، على الرغم من أن العضويتين الفنلندية والسويدية عززتا ظاهرياً موقف الناتو في القطب الشمالي، لا يزال أمام الحلف طريق طويل ليجتازه في المنطقة.