بول سارتر (أرشيفية)
بول سارتر (أرشيفية)
الإثنين 15 أبريل 2024 / 16:23

ذكرى وفاة الأديب والفيلسوف الفرنسي سارتر

في مثل هذا اليوم الموافق 15 أبريل (نيسان) توفي جون بول سارتر الأديب والفيلسوف الفرنسي عام 1980 في باريس، عن عمر ناهز 75 عاماً، بعد إصابته بوذمة الرئة، ودُفن في مقبرة مونبارناس بالعاصمة الفرنسية.

كتب سارتر في الرواية والمسرح وفي الفكر الفلسفي وعاش بين عامي (1905-1980) ويعتبر من أشهر أدباء القرن الـ20، عرفه العالم من خلال مؤلفاته وأعماله الأدبية والفلسفية المتعددة، أبرزها قصصه "الغثيان" و"الجدار" ، ومسرحياته "الذباب" و"لا مخرج".

أما نشاطه الأدبي فلا يمكن فصله عن فكره الفلسفي، إذ قاد تياراً فلسفياً ونشاطاً سياسياً مكثفاً، ورفض جائزة نوبل للأدب عام 1964.
ينتمي سارتر لعائلة برجوازية مثقفة من عائلات فرنسا وقد توفي والده جان بابتيست وعمره لا يتجاوز 15 شهراً، واهتم به جده تشارلز وأشرف على تعليمه حتى بلغ من العمر 10 سنوات، وفي عام 1917 تزوجت والدته، عاش معها ومع زوجها في لاروشيل، ثم ذهب إلى باريس في سن 15 سنة لتلقي العلاج ومكث هناك على نحو دائم.
ومنذ طفولته كان سارتر قارئاً نهماً تعرف على مكتبة عائلته وتعمق في قراءة ما فيها من كتب، وروى في سيرته الذاتية "الكلمات" أنه دخل الأدب في وقت مبكر جداً، وفي سن 17 من عمره التحق سارتر بمدرسة "هنري الرابع" بالسلك الثانوي في باريس، وتعرف فيها على الكاتب والفيلسوف والروائي بول نيزان الذي كان آنذاك لا يزال كاتباً مبتدئاً، ونشأت بينهما علاقة صداقة استمرت حتى وفاة نيزان في عام 1940.
وفي عام 1929 حصل سارتر على شهادة عليا في علم الفلسفة، وفي نفس العام التقى مع الكاتبة والمفكرة، والفيلسوفة، والناشطة السياسية الفرنسية سيمون دي بوفوار، التي أسس معها حواراً فكرياً رائعاً وعلاقة عاطفية قوية امتدت إلى آخر يوم في حياته، فقد أحبّا بعضهما ونشأت بينهما علاقة غرام، وبعدما حصل كلاهما على شهادته العليا، حيث حصل سارتر على المرتبة الأولى في المنافسة وحصلت دي بوفوار على المركز الثاني، أسسا علاقة فكرية وعاطفية قوية بينهما.
وفي سنة 1931 عُيّن سارتر أستاذاً للفلسفة، وفي عام 1938 نشر "الغثيان" أول رواية له، وكانت تهدف إلى تقديم التجربة الفلسفية للوجود، التي تتمثل في إدراك الأشياء في وجودها الخام، وفي عام 1943 نشر أطروحته الفلسفية الشهيرة "الوجود والعدم" التي جعلت منه مثقفاً منخرطاً في قضايا سياسية.
عاش سارتر أجواء الحرب العالمية الثانية، جندياً وبعدها سجيناً ثم مؤلفاً ملتزماً فتمكن من اكتساب وعي سياسي جعله أكثر نضجاً، وخلال هذه الحرب، كتب أولى مقالاته التي ستصبح عمله الفلسفي الرئيس "الوجود والعدم"، حيث عمل على تعميق الأسس النظرية لنظام تفكيره، وقد اختاره ألبير كامو عام 1944، ليكون مراسلاً لصحيفة، المعركة، ثم حقق جون بول سارتر نجاحاً باهراً وشهرة كبيرة بوصفه زعيماً للحركة الوجودية التي أصبحت "موضة" حقيقية، وفي 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1945، وبعد أن حصل على التقاعد في مهنة التدريس، نشر العدد الأول من مجلته، "الأزمنة الحديثة".
وعندما رفض جائزة نوبل للآداب، قال: "أرفض تتويج سارتر قبل موته، ليس هناك فنان ولا كاتب ولا إنسان يستحق أن يتوّج وهو على قيد الحياة، فهو يملك القدرة والحرية على أن يغير كل شيء"، وتأثر جون بول سارتر بالفلاسفة الألمان أمثال جورج فيلهلم فريدريش هيغل وكارل ماركس وإدموند هوسرل ومارتن هايدغر، وفي كتابه "الوجود والعدم"، الذي يعالج الفلسفة الوجودية، يتطرق إلى العلاقة بين الوعي والحرية.
وكان في معظم مسيرة حياته يؤمن بمعتقداته الاشتراكية المناهضة للبرجوازية ولأميركا والمعادية للإمبريالية والرأسمالية، وقاد حتى نهاية أيامه العديد من المعارك إذ رفض حرب الجزائر وحرب فيتنام، وتضامن مع القضية الفلسطينية، وساند المنشقين السوفيات، كما انخرط في أحداث مايو (أيار) سنة 1968 بفرنسا، وهي احتجاجات واضطرابات استمرت أسابيع وكادت تتحول إلى ثورة أو حرب أهلية.
كما دافع سارتر عن النزعة الإنسانية من الوجودية، في مواجهة انتقادات الماركسيين والمسيحيين، ووصف الإنسان بأنه ليس له جوهر ويؤسس نفسه من خلال اختياراته، ويلخص هذا الفكر في العبارة الشهيرة "الوجود يسبق الجوهر"، ولذلك يرى سارتر أن الإنسان موجود ولكنه يمنح نفسه الجوهر فقط من خلال أفعاله، ويعتقد أن الإنسان مسؤول عن ذلك لتمتعه بقدر كبير من الحرية.
وعندما رحل سارتر ترك إرثاً ثقافياً وأدبياً وفكرياً كبيراً تجلى في مئات من الأعمال التي توزعت بين الفلسفة والأدب والرواية والمسرح وغيرها.