مجسم لصاروخ إيراني في طهران.
مجسم لصاروخ إيراني في طهران.
الخميس 18 أبريل 2024 / 16:14

الرسائل وراء الهجوم الإيراني على إسرائيل

في 13 أبريل (نيسان)، وجَّهَت إيران ضربة جوية لإسرائيل رداً على هجوم إسرائيلي على سفارتها في دمشق أسفر عن مقتل كثير من كبار قادة الحرس الثوري الإسلامي، بمن فيهم العميد محمد رضا زادة، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وزجَّت هذه الخطوة غير المسبوقة بالمنطقة في حقبة جديدة من التصعيد.

قد تكون استراتيجية طهران شملت فرض قيود ذاتية على نطاق الضربة

ومع ذلك، ونظراً للتوجه البراغماتي للمؤسسة السياسية الإيرانية، يبدو من المُستبعد للغاية أن تُقْدِم إيران على هذا العمل الجلل دون تخطيط شامل. وهذا التخطيط يشمل بلا شك الأبعاد العسكرية والسياسية للضربة الجوية.

وفي هذا السياق، يُعدُّ تحليل الاعتبارات السياسية والعسكرية لإيران أمراً بالغ الأهمية قبل اتخاذ قرار شن الهجوم.
وفي هذا الإطار، قال أرمان محموديان، حاصل على درجة الدكتوراه في السياسة والشؤون الدولية، وعضو هيئة تدريس مساعد في جامعة جنوب فلوريدا، تبدو الإستراتيجية العسكرية الإيرانية في هذا الصراع واضحةً ومباشِرة، إذ تُركِّز غالباً على الحرب النفسية التي تُشنُّ على عدة مراحل.

الخطوة الأولى: استنزاف الروح المعنوية للعدو

وأوضح الكاتب في مقاله بموقع "ناشونال إنترست"، أن الحملة بدأت بخلق أجواء من الشك والهلع بين الإسرائيليين، وتحقق ذلك بالاستخدام الشامل للحرب النفسية التي تخللت الخطب الرسمية والرسائل الدبلوماسية والمنافذ الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي.
ومثال على ذلك، منشور آية الله خامنئي على حسابه على منصة التواصل الاجتماعي "X"، إذ وجّه تحذيراً للإسرائيليين باللغة العبرية بشأن عقابٍ وشيك. وقد حققت هذه الحملة المُوسَّعَة هدفين: الأول، طمأنة القاعدة الشعبية لإيران إلى أن مطالبها بالانتقام قيد التنفيذ، والثاني، استنزاف معنويات جيش الدفاع الإسرائيلي والسكان الإسرائيليين بإبقائهم في حالة تأهبٍ انفعالي عالية ومستمرة. 

الخطوة الثانية: الاستطلاع بالنيران

بعد العمليات النفسية الأولية، بدأت المرحلة التالية في الثالث عشر من أبريل (نيسان)، إذ أطلق حزب الله وابلاً صاروخياً من جنوب لبنان نحو إسرائيل.

ورغم أن القصف شمل كمية كبيرة من الصواريخ، فهي لم تكن كافية لإرباك قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلي. والأرجح أنْ تهدف هذه المرحلة إلى أن تكون بمنزلة عملية استطلاع لتقييم جاهزية جيش الدفاع الإسرائيلي وتصعيد الضغط النفسي عليه. وتساعد هذه الخطوة التكتيكية على قياس رد فعل العدو وتكييف الإستراتيجيات اللاحقة وفقاً لذلك.

الخطوة الثالثة: الهجوم الحاشِد

في 13 أبريل "نيسان"، بادرت إيران بهجومٍ كبير غير مسبوق في تاريخها، إذ أطلقت نحو 170 طائرة مسيرة، وسرعان ما تبعتها موجة أولى من 120 صاروخاً باليستياً و30 صاروخاً مجنحاً. واستهدفت إيران ووكلاؤها في العراق ولبنان واليمن مجتمعون إسرائيل بـ 330 صاروخ وطائرة مسيرة إجمالاً.

وكان الهدف من هذا العدد الهائل من الطائرات المسيرة، التي أُطلقت من مواقع مختلفة، إرباك مستويات الدفاع الجوي للولايات المتحدة في العراق وسوريا، والمملكة المتحدة في قبرص، وقوات الدفاع الجوي الإسرائيلية ذاتها.

ويُحتمل أن يكون الهدف الإستراتيجي لهذا الهجوم المكثف ضمان اختراق جزء من الصواريخ البالستية والصواريخ المجنحة لهذه الدفاعات وبلوغ أهدافها المنشودة. 

ومع تطور الهجوم، أشارت التقييمات الأولية إلى أنَّ معظم الأسلحة التي أُطلِقَت -باستثناء بعض الإصابات التي لحقت بقاعدتي نيفاتيم ورامون الجويتين- اعترضتها إسرائيل وحلفاؤها.

وفي الواقع، أفادَ الجيش  الإسرائيلي بأنه نجح في إسقاط 99% من الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها إيران.

ورغم الحجم الكبير نسبياً للترسانة التي نُشِرَت، فإن التأثير المادي للهجوم من حيث الأضرار التي لحقت بالمنشآت الإسرائيلية كان محدوداً.

وتثير هذه النتيجة سؤالاً مهماً: لماذا شن الإيرانيون هذا الهجوم الواسع؟ وماذا كانت الحسابات السياسية لإيران قبل ذلك؟

استعراض القدرات والحد من مخاطر الحرب

وُجِّهَت الضربة الإيرانية بعد 72 ساعة من تحذيرات إلى مختلف دول الشرق الأوسط، بما في ذلك تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، فضلاً عن ذلك، تدّعي المصادر الإيرانية أنَّ قنواتها الدبلوماسية أبلغت الولايات المتحدة بضربة محدودة على إسرائيل، مما يشير إلى أن إيران كانت على علم تام بأن هذه التحذيرات ستصل على الأرجح إلى إسرائيل، مما سيساعد على تهيئة جيش الدفاع الإسرائيلي وتفعيل آلياته الدفاعية.
ورغم امتلاك إيران صواريخ تفوق سرعة الصوت متقدمة مثل صاروخ "فاتح-1" متوسط المدى، إلا أن الضربة الأولى اعتمدت بالأساس على طائرات "شاهد-131" و"شاهد-136" المسيّرة. تحلُق هذه الطائرات على ارتفاعات منخفضة وتطير بسرعة 183 كيلومتراً في الساعة، مما يجعل من السهل للتصدي لها، ربما حتى دون الحاجة إلى رادار.
ورغم إمكانية إطلاق هذه الطائرات من سوريا أو لبنان، قررت إيران إطلاق موجة كبيرة منها مباشرة من أراضيها. وقد سمح هذا القرار للطائرات باختراق مستويات متعددة من الدفاعات الجوية في العراق وسورية.
ويبدو أن احتمال أن تخطئ إيران في تقدير الاعتراض المحتمل لطائراتها المسيرة محدود، خاصةً بالنظر إلى نقاط الضعف التي لوحظت في طائرات "شاهد" في أوكرانيا عندما لا تستخدم في هجمات قصيرة المدى. وأثبتت القبة الحديدية الإسرائيلية فعاليتها في اعتراض تهديدات جوية مماثلة.
وفي هذا السياق، من المحتمل أن تكون إستراتيجية طهران شملت فرض قيود ذاتية على نطاق الضربة بسبب مخاوف من الانتقام الإسرائيلي المحتمل. وبالنظر إلى أن إيران لا تملك نظامَ تحالف واسع النطاق أو قدرات دفاعية جوية متطورة كالتي تملكها إسرائيل، فإن الصراع واسع النطاق سيُشكِّل مخاطر كبيرة.
ربما قررت طهران أن تكيل "ضربة استعراضية" لا ضربة شاملة. وبإطلاق الصواريخ مباشرةً من أراضيها، أرادت طهران توجيه رسالة واضحة حول قدرتها على الوصول إلى إسرائيل وتنفيذ عملية معقدة وواسعة النطاق.
تحْمِل هذه الرسالة ثقلاً كبيراً، خاصةً بالنظر إلى تقارير مسؤولي الولايات المتحدة التي تفيد بأن إيران تمتلك أكبر ترسانة من الصواريخ البالستية في الشرق الأوسط، تزيد على 3000 صاروخ. وبالإضافة إلى ترسانة حزب الله الهائلة المتمثلة في 150 ألف طائرة مسيرة وصاروخ، فإن هذه الترسانة لديها القدرة على تحدي الدفاعات الجوية الإسرائيلية بشكلٍ كبير وتجاوز قدرتها على الاستجابة الفعالة.
وبتنسيق الهجمات التي تشمل الميليشيات الشيعية العراقية والحوثيين في اليمن وحزب الله، سعت إيران إلى استعراض قدرتها على إثارة فوضى واسعة النطاق في جميع أرجاء المنطقة. ولا تشكل هذه الاستراتيجية تهديداً لإسرائيل فحسب، بل تهدد أيضاً المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والأمن البحري الدولي. ويُحتمَل جداً أن يعتقد المسؤولون الإيرانيون أن الغرب يتوق إلى منع نشوب أزمة مشابهة لما حدث في أوكرانيا.
ولذا ربما كان الهدف الأساسي للضربة الإيرانية في 13 أبريل (نيسان)، حسب الكاتب، هو استعادة ما تعدُّه إيران قوة الردع إزاء إسرائيل بدلاً من التصعيد بقدرٍ أكبر.

ومع ذلك، لا يعني هذا الهدف الإستراتيجي أن إيران لم تكن تنوي إلحاق أي ضرر. نظراً لحجم الضربة والمناورات السياسية المصاحبة لها، يبدو من المنطقي أن إيران كانت تأمل في تكرار تأثير ضربة قاعدة عين الأسد في العراق بإلحاق أضرار جسيمة بمنشأة إسرائيلية رئيسة دون أن تتسبب بسقوط ضحايا. ولكن، أحبطت إسرائيل هذه المحاولة بمساعدة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا.