الثلاثاء 23 أبريل 2024 / 09:03

طوفان الدم: بعد نصف عام من الصراع

مصطفى أمين - العرب اللندنية

مرّ نصف عام على "طوفان الأقصى" وكلا الطرفين لم يحقّق أيّ نتيجة براغماتية عسكرية تذكر سوى سيلان طوفان الدّم.

إذا نظرنا من زاوية عسكرية نرى أن الاحتلال وحركة حماس دخلا في وضع الدفاع على السواء لا الهجوم، وهما وضعان يختلفان عن بعضها تماماً، فالأول فيه مماطلة ويحقّق نتائج محصورة ومعنوية في أغلب الأوقات، في حين أن الآخر نتائجه سريعة وحاسمة وواسعة، لذا من هذه الزاوية لا منتصرَ ولا مهزومَ من كلا الطرفين، ويبقى الحلّ المطروح سياسياً بامتياز، وهو حل الدولتين أو الاعتراف بهما. ولا وجود في واقع الأمر لمطالب (أجندات ورقية) من كلا الطرفين لوقف إطلاق النار، فهي شروط شبه تعجيزية أو تعجيزية، لا تنسجم مع الواقع أو الصورة السياسية والدولية اليوم.
المتضرّر الوحيد هم المدنيون أو الفلسطينيون أنفسهم، والتساؤل المطروح اليوم هل هم شهداء أم ضحايا حرب؟ هل من وجود للشهادة في ظل المدنية والتمدن والحضارة والحدود السياسية أم ضحايا اعتداء طال حدود دولة ما أو تقسيم ما؟ هذه الإشكالية صحيح أنها محبطة للغاية وغايتها ليست التشكيك على الإطلاق ولكن التوجيه، أي رؤية الواقع بعيون العالم الجديد من خلال الوطن والوطنية ولا شيء آخر أيديولوجياً، فالشهيد الوحيد اليوم في العالم الحديث هو الجيش، ويسمّى شهيد الوطن وليس شهيد أيديولوجية ما.
هذه المعادلة لم يحسبها خطاب الإسلام السياسي حيث إن هذا الأخير منتهي الصلاحية، بل في تناقض مطلق مع نفسه، فالسياسة لا دين لها.. إما سياسة وإما دين.

هذه المعادلة أصبحت "فورم" دولياً متفقاً عليه بالإجماع، وهناك خلط ولغط يقوم به الإسلاميون، فمثلاً: هناك فرق بين أن يصل مسلم إلى السياسة ويحكم بما أنزلت عليه إنسانيته، أو أن يصل الإسلام إلى السياسة ويحكم بما أُنزل من التاريخ، وهذا غير ممكن على الإطلاق، فحضارة اليوم غير حضارة البارحة.

المشكلة التي لا يحددها الإسلاميون بدقة هي أن الخطاب بالدرجة الأولى يجدر به أن يكون قومياً عربياً، أو على الأقلّ سيادياً، كل دولة في حدود سيادتها، لا أن يكون خطاباً أيديولوجياً وفق مفاهيم ورؤى عفا عليها الزمن. فهي مفاهيم لم تعد ممكنة  في حدود الدول اليوم، فالإسلام السياسي يخاطب المجتمع الدولي بلغة ومضامين غريبة ومريبة ليس حولها إجماع دولي إن صحّ التعبير.
إن الأيديولوجيا الوحيدة المطروحة اليوم والتي تعدّ ممكنة للتفاهم ولإرساء سلام وعدل سيادي لكلّ دولة هي النظريات السياسية في العالم الحديث. وتأكيداً على ذلك ما فعلته إيران في عمليتها "الوعد الصادق" لم يكن بهدف الدفاع عن فلسطين وإنما كان بهدف الدفاع "التحذيري" عن سيادة إيران نفسها بعد أن قام الاحتلال بعمليات تفجير واغتيال داخل أراضيها.
أغلب الظن أن الإسلام السياسي السني والإسلام السياسي الفارسي وجهان لعملة فشل واحدة، بحيث إذا تتّبعنا نتائجهما في الوطن العربي لرأينا نتائجهما الكارثية.

لا يمكن أن تحكم دولة اليوم وفق أيديولوجيا إسلامية، المعادلة والتاريخ تغيرا، لذا الحكم يكون بالعلمانية الجزئية وفق مضامين المدنية والتمدن والوطنية والمواطنة، هذا هو المتاح الآن، بل الخطاب الوحيد المقبول عند اليمين واليسار، تلك القطبية التي تجمع وتفرّق العالم.

ومن هنا فإن حلم "الهلال الخصيب" وكذلك حلم "الربيع العربي" مجرد أحلام واهية أغرقت المنطقة العربية في طوفان من الدّم، وجميعنا ضحايا لهذه الأحلام المندفعة غير المنسجمة مع الواقعية السياسية. فاليوم ليس هناك من إسلام سياسي بل يمكننا نحن العرب أن نعمل لإرساء سلام سياسي.
ختاماً، يظهر الوضع بعد نصف عام من "طوفان الأقصى" أن الأطراف المتصارعة لم تحقق أي نتائج عسكرية تذكر سوى تصاعد العنف وسيلان الدماء، ليبقى الحل السياسي الخيار الأمثل، سواء من خلال حلّ الدولتين أو الاعتراف بهما.
المدنيون هم الضحايا الوحيدون في هذا الصراع، وتحتاج القضية إلى رؤية واقعية تفضي إلى تقليل النزاع والحدّ من سيلان الدّماء بعيداً عن الأيديولوجيات القديمة التي لا تتوافق مع الواقع السياسي الحالي.