شعبان بدير وأماني فؤاد وأحمد عقيلي(24)
شعبان بدير وأماني فؤاد وأحمد عقيلي(24)
الثلاثاء 23 أبريل 2024 / 21:46

نقاد وأدباء يطالبون بتفعيل الرقابة على فوضى النشر الإلكتروني

يستغل البعض أسماء كبار الكتاب مثل محمود درويش، ونزار قباني، وحتى شكسبير بطريقة سيئة، حيث نجد صفحات على وسائل التواصل عنوانها نزاريات، أو شوقيات، وغيرها ويضاف عليها أشعار ومقولات منسوبة إلى نزار قباني أو أحمد شوقي، وقد تنشر أيضاً حكماً ومقولات سياسية، فكيف يمكن مواجهة هذا التزييف الفكري، وما يتضمنه من تضليل، ومن المسؤول عن مواجهة مثل هذه الصفحات؟  

أكد عدد من النقاد في تصريحات لـ24 أن "العملة الجيدة الحقيقية تطرد الرديئة، ما يتطلب إنشاء صفحات ومواقع صادقة تنقل خلاصة أفكار أعلامنا الكبار الحقيقية، وطباعة أعمالهم في طبعات شعبية لضمان سعة الانتشار، كما يجب تفعيل الرقابة على فوضى النشر على الوسائط الحديثة، وفرض عقوبات موجعة على من يدلس ويكذب" داعيين إلى ضرورة التمييز والتفكير النقدي عند مواجهة الاقتباسات المنسوبة إلى المشاهير، والتأكد من مصدرها وسياقها قبل قبولها كما هي، وتعزيز ثقافة النزاهة والمشاركة المسؤولة".

وقالت عضو لجنة تحكيم "أمير الشعراء" الناقدة الدكتورة أماني فؤاد: "هناك وجهان لاستغلال البعض لإنشاء صفحات وسائط التواصل الاجتماعي التي تحمل أسماء كبار الكتّاب مثل نجيب محفوظ، وجبران خليل جبران، ومحمود درويش، ونزار قباني، وشكسبير، وبعض الفلاسفة، الوجه الأول  إيجابي، فلو أن منشئ هذه الصفحات التزم بالنقل الصادق، وربط أقوال هذه الأعلام الثقافية الكبيرة بقضايا الواقع، وقتها يمكن اعتبار تلك الصفحات إيجابية، تعرّف الجموع بهذه الأعلام وتنشر خلاصة آراءهم ومعارفهم ورؤاهم بالحياة، خاصة في مجتمع تتدنى به نسب القراءة وشراء الكتب، وهو ما يسهم في رفع الوعي العام".
وأضافت "أما الوجه الآخر فهو سيء وشديد الخطورة بالادعاء عليهم، ونسب مقولات لا علاقة لهم بها، هذه المقولات التي تنسب إليهم كذباً تكتسب مصداقية، وتستقر بأذهان جموع المتلقين، ما يجعلهم يؤمنون بمضمونها باعتبارها صادرة من عقول الثقافة العربية المفكرة المثقفة، في حين أنها يمكن أن تكون موجهة، في باطنها لبعض الأغراض التي يعمل منشئ الصفحة على ترويجها وأن يستسيغها الكثيرون.
 وتابعت "مواجهة هذا التزييف الفكري، تكون على مستويين، الأول بالعمل وفق قاعدة إن العملة الجيدة الحقيقية تطرد الرديئة، ما يتطلب إنشاء صفحات ومواقع صادقة تنقل خلاصة أفكار أعلامنا الكبار الحقيقية، وطباعة أعمالهم في طبعات شعبية لضمان سعة الانتشار، والثاني تفعيل الرقابة على فوضى النشر على الوسائط الحديثة، وفرض عقوبات موجعة على من يدلس ويكذب، عقوبات تصل للغلق التام للموقع الذي يدعي كذباً، وينسب للآخرين ما لم يصرحوا به، وزيادة التوعية والتحذير، وتقع مسئولية تحجيم ما تنشره هذه الصفحات على الدول ومؤسساتها الرقابية المختلفة، كما تقع على عاتق المثقفين الذين لديهم حقيقة وصواب ما قال هؤلاء الأعلام".

ويقول الناقد والأكاديمي الدكتور شعبان بدير: "لأسماء المشاهير تأثيرٌ كبيرٌ على الجمهور في وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يحتذون بهم مثالاً للرقي والإبداع، ما يؤثر في أنماط حياتهم واختياراتهم، كما تعتبر أسماء المشاهير مصدراً للإلهام والمعرفة فيؤثرون في آراء الجمهور في القضايا الاجتماعية والثقافية، ولكن كثيراً ما تستغل هويات كبار الكتاب والشعراء والفنانين، على منصات التواصل الاجتماعي بصور مختلفة أبرزها، إنشاء حسابات وهمية، وصفحات منسوبة لهؤلاء الكتاب مثل نزاريات ودرويشيات، وروميات، و أقوال شكسبير، بالإضافة إلى المنشورات التي تحتوي على اقتباسات عميقة أو ملهمة يفترض أنها منسوبة إلى شخصيات معروفة من أدباء أو فنانين أو سياقات تاريخية رغبة منهم في تعزيز مصداقية هذه الأقوال، وجذب اهتمام الجماهير إليها لكسب عدد أكبر من المتابعين والمعجبين، ومع ذلك، فإن جزءاً كبيراً من هذه الاقتباسات مضللة أو مفبركة تماماً، ما يذكرنا بقضية الانتحال التي أثيرت حول نسبة الشعر إلى غير قائليه في التاريخ الأدبي، هذه الممارسة الخادعة لا تشوه فقط الغرض الأصلي من المؤلف المزعوم ولكنها أيضاً تعزز انتشار المعلومات الخاطئة وتقوض مصداقية المصادر الحقيقية وتثير الأسئلة الأخلاقية عن صحة ونزاهة المحتوى المشارك عبر الإنترنت.
وأضاف "مع ذلك، فإن استغلال هويات الكتاب المعروفين لنشر المعلومات الخاطئة أو المضللة بلا رقيب يثير مشاكل على عدة جبهات، أولاً، فإنه يعتدي على موثوقية المحتوى عبر الإنترنت، حيث قد يصبح المستخدمون حذرين من قبول الاقتباسات دون التحقق من صحتها، ثانيًا، فإنه يجافي الملكية الفكرية والتراث الفكري للذين  استُغلت هوياتهم، حيث  تقتبس كلماتهم في كثير من الأحيان خارج سياقها أو تنسب إليهم بطريقة غير صحيحة، ما يشوه معرفتنا الجماعية ويعزز الافتراضات الخاطئة حول الماضي، ويقع العبء الأكبر لمواجهة هذه الظاهرة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين عليهم التمييز والتفكير النقدي عند مواجهة الاقتباسات المنسوبة إلى المشاهير، مع التأكد من مصدرها وسياقها قبل قبولها كما هي، كما تبرز الحاجة إلى مزيد من اليقظة والمساءلة في التواصل عبر الإنترنت، من خلال تعزيز ثقافة النزاهة والمشاركة المسؤولة، حتى يمكننا التخفيف من انتشار المعلومات الخاطئة وصون مصداقية الحوار الرقمي".

 وقال الأديب والناقد الدكتور أحمد عبد المنعم عقيلي: "أضحت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من أبرز وسائل التأثير في الرأي العام، حيث لم تعد مجرد وسيلة تواصل بين الناس،  لتثقيفهم ورفدهم بالمعارف، بل تجاوزت ذلك لتغدو منصة إعلامية ومنبراً يتسلقه بعض مدعي الثقافة الذين يتسترون وراء أسماء ثقافية مبدعة رفدت الحركة الثقافية بنتاجات أدبية وفكرية وشعرية خالدة، بعد التطور التقني الكبير الذي شهده العالم في العصر الراهن، والمتمثل في سرعة الوصول إلى نتاج هذه القامات الثقافية المبدعة، فبضغط زر عبر الشبكة العنكبوتية يستطيعون الحصول على نماذج من هذه النتاجات الأدبية، ومن ثم ينسبونها لأنفسهم، ظناً منهم أن عين القارئ المثقف لن تتنبه إلى خطورة ما يقومون به، ولن تعرف أن هذه القطعة القصصية، أو البيت الشعري، أو الصورة الأدبية، للشاعر الفلاني أو الروائي الفلاني، أو القاص الفلاني".
وأضاف: "بوصفي ناقداً أدبياً وأستاذاً للنقد الأدبي والفني، أكاد أذكر عشرات النماذج التي استوقفتني أثناء تنقلي بين هذه الصفحات  عبر الفضاء الإلكتروني الرحب، فهذا يأخذ من قصيدةٍ نزاريةٍ مقطوعة شعرية، وذاك ينسب لنفسه الصورة الشعرية المموسقة التي جادت بها مخيلة الشاعرة نازك الملائكة، وآخر يتقمص رمزية شكسبير، وملهاة بلزاك، ويدعي أنه أول من ابتكرها وأبدعها، أضف إلى ذلك تلك المسميات التي يطلقها أصحابها على مجموعات افتراضية من وحي الفضاء الافتراضي التي لا تمت للواقع بصلة، وهي مسميات جاذبة تشدّ انتباه المتلقي، مثل: شوقيات، ونزاريات، وأفلاطونيات، وغيرها، والمشكلة الكبرى أنها تنسب لهذه القامات الفكرية والأدبية والفلسفية والثقافية الخالدة، عبارات ومقتطفات لا تمت لها بصلة، بل تسهم في تشويه صورتها الثقافية المشرقة في أذهان وعقول المثقف الناشئ، الذي لا يملك الرؤية النقدية الثاقبة التي تمكنه من تمييز جوهر الثقافة من زائفها".
وتابع دكتور عقيلي، أن "ما سبق يسهم وبشكل مباشر في تشويه الصورة الثقافية والأدبية التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، ويحرفها عن دورها الثقافي الإنساني والتواصلي المعرفي من جهة أخرى، ومع تسليمنا بنجنب التعميم وإطلاق الأحكام القطعية على هذه الوسائل، نقرّ بوجود بعض وسائل التواصل المنصفة والموضوعية التي تقدم مواد ثقافية أدبية وفكرية مفيدة للمثقف والمجتمع، لكنها لم تعد تظهر بوضوح في ظل الانتشار السريع والموبوء لتلك الوسائل التي تسهم في تشويه الصورة الثقافية التي تنتشر مثل النار في الهشيم عبر الفضاء الافتراضي وصفحات التواصل الاجتماعي في كل ثانية ودقيقة" .
وختم قائلاً: "لو تساءلنا عن المسؤول عن مواجهة هذا المدّ المخيف لهذه الوسائل، فإن الإجابة تكمن، برأيي المتواضع، في تسلح المثقف العربي خاصة الشباب، بالثقافة والوعي الفكري والمعرفي والأدبي والاجتماعي والحضاري، والاطلاع على النتاج الخالد لعمالقة الشعر والثقافة والأدب، لبناء معرفة حقيقية بطبيعة نتاجاتهم، وامتلاك معايير تقييم النص المقروء، ما يجعلهم قادرين على التمييز بين الحقيقي والمزيّف، لتبني الحقيقي ونبذ الزائف المشوه، عندها ستضمحل هذه الظاهرة المرضية وسيتلاشى هذا الورم الثقافي الخطير، ويختفي من جسد ثقافتنا العربية التي نسعى جميعاً لنموها وتطورها وازدهارها".