الخميس 25 أبريل 2024 / 08:37

سقوط أكذوبة أخرى

افتتاحية صحيفة الخليج الإماراتية

كان يُعتقد أن ما قاله وزير الإعلام النازي جوزيف غوبلز «اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس»، أصبحت مقولة مستهلكة، وبائدة في القرن العشرين، لكن تبيّن أنها ما زالت حيّة ومتداولة، يردّدها مختلف المسؤولين الإسرائيليين، ويصدّقها بعض المسؤولين في الغرب، خصوصاً بعد السابع من أكتوبر(تشرين الأول) الماضي.

بتنا بحاجة إلى حاسوب للتعرف إلى عدد ما تردّد منها على لسان هؤلاء، بحيث بات الكذب جزءاً من استراتيجيتهم في حرب الإبادة ضد قطاع غزة، وآخرها التي سقطت، هي تلك التي اتهمت فيها إسرائيل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بأن عدداً من موظفيها أعضاء في حماس شاركوا في هجمات السابع من أكتوبر على المستوطنات اليهودية.
جاء ذلك في تقرير اللجنة المستقلة التي كلّفها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالتحقيق في الاتهامات الإسرائيلية، برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، كاترين كولونا، الذي أكد بصورة واضحة أن «إسرائيل لم تقدم أدلّة بشأن تورط عدد كبير من أفراد طاقمها في الارتباط بمنظمات إرهابية»، وأشار التقرير إلى أن الوكالة «لا بديل عنها على صعيد التنمية الإنسانية والاقتصادية للفلسطينيين، إضافة إلى ذلك تعتبر «الأونروا» طوق نجاة إنسانياً».
وكانت المزاعم الإسرائيلية دفعت دولاً مانحة عدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى قطع تمويلها عن الوكالة، الأمر الذي مثّل تهديداً لعملها، وجهودها الرامية إلى إيصال المساعدات الإنسانية لسكان غزة الذين يعانون مجاعة حقيقية.
من الطبيعي أن يؤدي التقرير إلى خيبة أمل إسرائيل، وانكشاف مراميها من وراء إطلاق مثل هذا التخرص، وهي واحدة من سلسلة أراجيف أطلقتها خلال الأشهر الأخيرة، وصدّقها البعض، بعضَ الوقت، لكن سرعان ما تبيّن زيفها، مثل ذبح الأطفال، وقطع رؤوسهم، وعمليات اغتصاب.
لكن التزييف الإسرائيلي لم يتوقف عند هذا الحد، فهناك وصفه لحرب الإبادة على أنها «دفاع عن النفس»، وكذلك وصفها بأنها «واحة للديمقراطية في صحراء الشرق الأوسط»، وكذلك اعتبار جيشها أنه «الأكثر أخلاقية»، وأنه الجيش الأقوى في المنطقة، و«لا يقهر»، لكنه بالممارسة اليومية المتوحشة تبيّن أنه جيش يفتقد المناقبية والأخلاق، ولولا الدعم العسكري الأمريكي والغربي المباشر، لبدا جيشاً هشاً سهل الانكسار، وقد بدأ يعاني استقالات في قمّة الهرم الأمني والعسكري، بسبب الإخفاقات الأمنية والعسكرية في إدارة الحرب على غزة، كما فعل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، أهارون حاليفا، وهناك غيره على الطريق، فضلاً عن العزلة الدولية التي لحقت بإسرائيل، جراء حرب الإبادة التي تقوم بها ضد المدنيين.
وإذا كانت استراتيجية النفاق الإسرائيلية صارت مثل «الصبر الاستراتيجي»، و«الصمت الاستراتيجي»، تعبيراً عن ممارسة عسكرية، إلا أنها لم تعد تنفع مع وجود وسائل تواصل، مسموعة ومرئية، تنقل الحقائق كما هي، من دون تزييف.
وما فعله غوبلز كبوق إعلامي نازي قبل نحو ثمانين عاماً، لم يعد قابلاً للتصديق، ذلك أن إسرائيل تكذب وتطلب من العالم أن يصدّقها. وإن كان البعض يصدقها فلأنه مثلها مفطور على النفاق، ويراها نموذجاً له، بحكم مصالحه المتشابكة معها.