الخميس 25 أبريل 2024 / 09:30

بعد 200 يوم.. حرب بلا رؤية

جيهان فوزي- صحيفة الوطن المصرية

بعد تجاوز الحرب على غزة مئتي يوم، فإن الإحصائيات لعدد الشهداء والجرحى والمجازر الإسرائيلية التى يرتكبها جيش الاحتلال في غزة منذ السابع من أكتوبر(تشرين الأول) وحتى اليوم مفزعة.

هذه الأعداد لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فإسرائيل تُمعن فى شنّ الهجمات الممنهجة على جميع أنحاء قطاع غزة، جواً وبراً وبحراً، تستخدم كل أنواع الأسلحة، وكأنها تسابق الزمن فى القضاء على سكان القطاع وإبادتهم، كى تتخلص من هذا العبء الثقيل، الذي يُشكل تهديداً وجودياً على المكون اليهودي الصهيوني المتطرف، لذا يُعرقل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أي إمكانية للتوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار دائم، ويلقي باللوم على حركة حماس ويتّهمها بتعطيل أي تقدم في المفاوضات، بل يحملها المسؤولية عن الإبادة الجماعية، التي يتعرّض لها المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة!
يدفع نتنياهو بالعربة أمام الحصان في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، ويقوّض صلاحيات الوفد الإسرائيلي المفاوض بهدف إفشالها، رغم أن حصيلة الشهداء والمفقودين تجاوزت 41183، منهم أكثر من 14778 طفلاً، وعشرة آلاف امرأة، و7000 مفقود، أما الجرحى فقد تجاوز عددهم 77 ألف مصاب، وكان النصيب الأكبر من الضحايا للنساء والأطفال، بما يعادل 72%، فضلاً عن الخسائر الأولية المباشرة لحرب الإبادة على القطاع، التي تُقدر بـ30 مليار دولار، وإلقاء 75 ألف طن من المتفجرات، وتدمير أكثر من 380 ألف وحدة سكنية جزئياً أو كلياً، بالإضافة إلى تدمير المؤسسات الصحية وخروجها عن الخدمة، فضلاً عن تدمير المواقع الأثرية والتراثية، والمؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات.
وبعد كل ذلك ما زالت الرؤية الإسرائيلية للحرب وما بعدها غامضة وضبابية، لكن من الواضح أن نتانياهو وبسبب تعقيدات الحرب وصعوبتها يحاول شد زوايا رؤيته لتكون مطاطة تتّسع وتضيق، استناداً إلى ما يمكن تحقيقه من نتائج ملموسة، بما يتيح له ادعاء تحقيق نصر ما في النهاية. لقد ورّطت الحكومة الإسرائيلية نفسها في تعهدات تبين أنها غير قابلة للتحقّق، فلا الجيش تمكن من تفكيك فصائل المقاومة، ولا الأجهزة الأمنية استطاعت خلق بدائل من أهل غزة لإدارة شؤون القطاع، ولا الدبلوماسية تمكنت من إقناع دول أخرى بتشكيل قوة أمنية دولية مشتركة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، ولا المفاوضات أدت إلى تحرير أي أسير إسرائيلي بعد الصفقة اليتيمة الأولى.
في اليوم التالي لهجوم 7 أكتوبر كانت الحكومة الإسرائيلية قد وضعت لنفسها أهدافاً واضحة، أعلنها نتانياهو مرات كثيرة، وكانت تبدي ثباتاً لا يتزعزع لتحقيق تلك الأهداف، لكن مجرى العمليات الميدانية صدمها بواقع لم تألفه وترفض الاعتراف به، وبدلاً من إعادة النظر وتقليص تلك الأهداف إلى الحدود الممكنة، لجأت إلى التمويه والتضليل وتعديل لغتها وإعادة جدولة أهدافها بطريقة تكشف عن عجز فاضح في التكيّف مع الحقائق المهينة لها في الميدان. وبمقارنة تصريحات أعضاء مجلس الحرب ما بين أكتوبر الماضي واليوم، سنلاحظ الفرق الجوهري بين هذه وتلك، وحتى في المقارنة ما بين تصريحات كل من أعضاء مجلس الحرب في ما بينهم، ستتضح الفجوات الكبيرة التي أملتها عليهم وقائع الحرب، فمثلاً يميل غانتس وإيزنكوت إلى اعتبار تحرير الرهائن معياراً للنجاح أو الفشل في هذه الحرب، بمعنى أنهما سيعتبران النجاح في تحرير الرهائن عبر المفاوضات انتصاراً لإسرائيل يبرر وقفاً دائماً لإطلاق النار، ويشاركهما في هذا الرأي رئيسا جهازي الموساد والشاباك اللذان يشكلان معاً المصدر الأهم لاتهام نتانياهو بعرقلة المفاوضات، ومنع الوفد المفاوض من التصرّف بصلاحيات واسعة لتحقيق النتائج المرجوة، أما نتانياهو ومعسكر اليمين المتطرف فما زال يعتبر أن الضغط العسكري سوف يُرغم حماس في النهاية على القبول بالشروط الإسرائيلية، وهو في الحقيقة يؤسّس هذا الاعتقاد على وهم لا يتكئ على أي مؤشرات حقيقية أو دلائل جدية، لأن تقديرات أغلب الأجهزة الاستخبارية الدولية، وفي مقدمتها الأمريكية، تقول عكس ذلك، وتؤكد أن حماس ليست في وضع يمكن فيه إرغامها على قبول ما سبق أن رفضته.
أمام هذا الانسداد في الأفق السياسي يحاول نتانياهو بذل كل الجهد العسكري الممكن لتحقيق إنجاز ما قبل أن يضطر إلى تعديل أهداف الحرب، لأن هذا الخيار الأخير يُشكل مجازفة خطيرة لخسارة الرأي العام الإسرائيلي الذي يؤيده، ويصدق ادعاءاته، وما بين تلك الرغبة وهذه الخشية ضاعت الرؤية الإسرائيلية، وأصبح من الصعب على نتانياهو أن يصارح شعبه بما يجري، وبدلاً من ذلك بات يطلق تصريحات غامضة لا تعكس حقيقة ما آلت إليه الحرب من نتائج فعلية، وبدءاً من يناير(كانون الثاني) هذا العام سادت الفوضى والغموض والضبابية على لغة الحرب الإسرائيلية، حتى أصبح من الممكن القول إنها باتت حرباً بلا رؤية واضحة أو أهداف قابلة للتحقق. إنها حرب مؤجّلة الرؤية والأهداف.