نازحون فلسطينيون في رفح (أرشيف)
نازحون فلسطينيون في رفح (أرشيف)
الأحد 5 مايو 2024 / 09:15

اجتياح رفح ما بين تهديد المدنيين والسلام

فاضل المناصفة- ميدل إيست أونلاين

فيما يبدو أن العد العكسي لتنفيذ خطة اجتياح رفح قد بدأ، تحاول عشرات العائلات الفلسطينية مغادرة خيامها المنصوبة على مقربة من الحدود المصرية نحو شمال القطاع، في محاولة لإنقاذ أنفسها من عملية عسكرية قد تتحول إلى محرقة رغم ما يدعيه جيش الاحتلال من إعداده لتجهيزات العملية البرية تشمل خطة إجلاء وفتح ممرات آمنة وتوسيعاً للمنطقة الإنسانية.

هذه الترتيبات وإن وجدت فإن فاعليتها ستبقى ضئيلة مع تكدس عدد كبير من النازحين في مدينة مساحتها الجغرافية صغيرة من الصعب الترتيب لخروجهم الآمن في ظرف زمني وجيز، الأمر الذي يعني أن دقة الضربات على الأهداف العسكرية في هذا الاجتياح المرتقب ستكون أمراً شبه مستحيل.
النازحون الموجودون في مخيمات رفح بين نارين، يمكن أن تدفعهم مصيدة النزوح نحو شمال غزة إلى مصير أسوأ من الذي عايشوه في رحلة نزوحهم في الأيام الأولى من الحرب عندما تحولت الممرات الإنسانية إلى تجربة مميتة واحتمال تكرارها وارد بقوة، أما بقاؤهم في محيط مدينة رفح فيعني وجودهم على مقربة من ساحة معركة أهدافها ستكون بلا شك عشوائية، والأخطر أنها قد تفتح احتمالات إبعادهم نحو الأراضي المصرية، بالرغم من كل ما قيل ويقال حول وجود تطمينات إسرائيلية للجانبين الأمريكي والمصري بالعمل على ألا تتحول خطة الاجتياح الى خطة إبعاد، لكنها في الحقيقة تطمينات يشوبها الكثير من الشكوك في مصداقيتها.
أسئلة كثيرة تتبادر إلى الأذهان حول خطة اجتياح رفح وعن إصرار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ومن معه من المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها وعن التحفظات الأمريكية التي عطلت صدور الموافقة من قبل هيئة الأركان العامة في جيش الدفاع الإسرائيلي، والاعتبارات والمحاذير التي اشترطتها إدارة بايدن وبالأخص التداعيات المحتملة لها على العلاقات المصرية الإسرائيلية خاصة أنها قد تفتح الباب لوجود عسكري إسرائيلي دائم في جنوب قطاع غزة.
ليس سراً أن تحمل التحفظات الأمريكية على خطة الاجتياح الإسرائيلية في باطنها تركيزاً على تقديم الجانب الإسرائيلي لضمانات بعدم استعمال القوة الغاشمة في هذا الهجوم المرتقب للحد من مخاطره وخشية أن تنعكس خطة نتنياهو سلباً على معركة الاستحقاق الرئاسي القادم في الولايات المتحدة، وإدارة بايدن التي وظفت حق النقض "الفيتو" منذ بدء الحرب لصالح إسرائيل وتعاملت بمنطق التغاضي والتجاهل لعشرات التقارير التي أكدت تنفيذ إسرائيل لضربات عشوائية في محاور عديدة شمال القطاع، لن تكون حريصة على سلامة المدنيين بقدر حرصها على أن لا يتسبب نتانياهو بانتكاسة جديدة لشعبية بايدن تخلط الأوراق وتقدم نقطة تقدم جديدة لصالح منافسه ترامب.
رغم ما تشكله الخطة الإسرائيلية من تداعيات على معاهدة السلام المبرمة مع مصر في عام 1979، إلا أن نتانياهو يجد في خطة اجتياح رفح فرصة ثمينة قد لا تتكرر، سيتم الترويج على أنها تصحيح لأخطاء رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون وخطته الأحادية لفك الارتباط التي لم تراعِ التبعات السلبية للفراغ الأمني، وهو ما تدفع إسرائيل ثمنه اليوم. الإصرار على تنفيذ الخطة لا يندرج ضمن هدف القضاء على حماس بقدر ما يركز على وضع قطاع غزة بين فكي كماشة أمنية إسرائيلية، ستضمن الإشراف والسيطرة على معبر رفح وبوابة صلاح الدين وخلق وضع شبيه بوضع الضفة الغربية.
إسرائيل أطلعت مصر على خطة بالمناطق التي ستستهدفها برفح، في محاولة لتهدئة الموقف المصري قبل تنفيد خطة الاجتياح ومع ذلك لا تجد تجاوباً ايجابياً مع تلك التطمينات وليس مستبعداً أن تلجأ القاهرة إلى تعليق معاهدة السلام مع إسرائيل في حال تنفيذ الخطة لما لها من تأثير مباشر على أمنها القومي، ما يعني أيضاً أنها ستنسحب من الوساطة القائمة في ملف الأسرى، وبالتالي فإن سيناريو استمرار الحرب لأشهر طويلة بات الأقرب.

من جانب آخر قد تكون مصر عرضة للابتزاز الأمريكي إذا ما تم الحديث عن تعليق المساعدات العسكرية السنوية والتي تقدر بـ 1.3 مليار دولار أمريكي، لكن هذا الأمر سيكون دافعاً قوياً لتوجه مصر بكل ثقلها نحو الشرق، ما يعني أن الإدارة الأمريكية قد تخاطر بفقدان شريك قوي في المنطقة من أجل خطة تقودها حكومة إسرائيلية تجهز على آخر ما تبقى من عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط.