حجاج حول الكعبة (أرشيف)
حجاج حول الكعبة (أرشيف)
الإثنين 17 يونيو 2024 / 23:51

الحجُّ .. مقاصد حضارية وأخلاقية   

الحج عبادة لا يؤدّيها المسلم بمفرده بل الأمَّة من كل فجٍّ عميق، فيه يتوحَّد المسلمون في ثوب واحد، ويتوجهون إلى قبلة واحدة، يقفون في صعيد ومكان واحد لأداء فريضة واحدة، الجموع من الحجاج أتوا ليوثِّق كل حاج ما يدين به من قيم إنسانية، ويتعلَّم مبدأ التعارف والتآلف مع كل الأعراق والأجناس، وتتأصَّل لديه فكرة السلام والتعايش والتسامح بين الحضارات والثقافات المسلمة التي من خلالها نستطيع تعزيز قيم الإنسانية وقبول الآخر.. وتتحقق بذلك مقاصد الحج الحضارية العظيمة.ولقد قدَّس الله أوقاتًا وفضَّل أماكن وأزمنة، وجعل النفحات الربانية تتجلَّى فيها، ودعا الإنسان إلى الإقبال على الحياة، والتزوُّد بالعمل الصالح، وكذلك دعاه إلى الإقبال على الله، ويكون هذا الإقبال بالتوجُّه إليه بقيام أو اعتكاف أو توجه إليه بالدعاء، والخضوع له سبحانه وتعالى، كما أنَّه سبحانه خوَّل لنا أعمالًا ترفع أعمارنا وإيماننا ومقامنا في الجنة، وتعدُّ هذه الأيام اختصارًا لعمر الزمن، كما في الحديث: (إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرَّضوا لها)، وفي نصٍّ آخر ( ... ألا فترصَّدوا لها). لا يخفى على كلِّ مسلم ومسلمة مدى أهميّة الحج؛ كونه ركنًا من أركان الإسلام، وركن الشيء هو جانبه الأقوى، ومن ثمَّ فالحج أحد تلك الأركان الخمسة التي بُني عليها الإسلام، وفيه من الدروس والعِبر ما يجعل من أيام الحجِّ فرصةً تعبديةً وتربويةً وحضاريةً للتعلُّم وللتغيير، ولصياغة الحياة من جديد واختصار عمر الزمن. 
إضافة إلى أنَّ الحج تعليم للرقي الإنساني، وممارسة عملية للتعوُّد على الأخلاق الحميدة، ونبذ العادات السيئة، مثل الرفَث وهو اسم يطلق على كلِّ كلام فيه لغو أو همز أو لمز، ويترك أيضًا الفسوق، وهو اسم لكل معصية نهى عنها رب العزة سبحانه وتعالى، كما أن الحاج يهجر الجدال والخصومة، وهما كثرة المراء والفجور في العداوة مع الآخر، ولا تضيع هذه الفرص الثمينة من عمر الزمن من خلال عقد العزم على التغيير والإخلاص بالتوجُّه إلى الله، كل هذا من موجبات القبول للطاعات.
 ومن منافع الحجِّ الاستفادة من لحوم الهدي، فيأكل منها ويهدي لغيره، ويتصدّق على الفقراء، ويواسي المحتاج.. لتتجلَّى بوضوح مقاصد الحج التربوية.
إنَّ الأمّة في حاجة إلى هذا المحفل الديني، الذي يجعل الإنسان يعود من الحجِّ وهو أكثر تقوى لله تبارك وتعالى؛ لأن الحاج حينما يؤدِّي شعائر الحج يستشعر الأمل في استعادة حياة جديدة مقبلة على الخير، كما تتجلَّى على شكل إقبال على العبادة، أو على شكل منع وابتعاد عن الحرام، بحيث يُزيِّن الإيمان في قلب المؤمن، ويُكرِّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وأن يتغير إلى الحال الأفضل بعد الحج، بحيث يصبح إنسانًا آخر في سلوكه مع الآخرين، وفي معاملاته وعلاقاته. 
 إن باب التوبة مفتوح، والمغفرة مواتية لمن أرادها، فإن وقفة مع الله في عباده في حجٍّ، أو إحياء ليلة من ليالي وقفة عرفة في صلاة خاشعة وابتهال والتماس طاعة، هي نفحة خاصة من نفحات هذا الموسم الديني العظيم، فاغتنموها وبادروا إلى اقتناصها، وهي من المقاصد التعبدية.. وإن الغنيمة الكبرى تتجلى في هذه الجائزة الكبرى التي بشرنا بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "من حج فلم يرفُث ولم يفسُق رجع كيوم ولدته أمّه".
ما أكثر نعم الله علينا، وما أهنأنا بأيام الله وبفيوضاته الربانية ونفحاته التي تتكرر علينا!
كل عام والإمارات حكومة وشعبًا في رقي وازدهار وسؤدد وفخار.