الثلاثاء 18 يونيو 2024 / 09:27

دروس من الحج

لم تكن قدرة المملكة العربية السعودية على تأمين موسم الحج وتهيئة الأجواء المريحة لضيوف الرحمن هذا العام موضع شك، فهذا اختبار سنوي محسومة نتيجته للأجهزة السعودية بتنوع تخصصاتها وللفرق المتطوعة لمعاونتها. ولم يكن أحد في حاجة إلى تأكيد المؤكد في هذا السياق لولا إصرار بعض الجماعات على أن تحيط هذا الموسم بجدل لا داعي له، وإخراج فريضة دينية خالصة مما فيها من معاني التجرد والتسليم وتحمل المشاق برضا وسعادة إلى معترك سياسي ليس في محله.

من هنا، علت النبرة الأمنية في المملكة قبل بدء المناسك وشاهدناها مترجمة إلى فعل صارم لا يبتغي الدفاع عن سيادة دولة فحسب، بل أيضاً حق نحو مليوني مسلم في التمتع بمذاق الفريضة التي لا يتاح لأغلبهم تكرار أدائها في أجواء آمنة لا موضع فيها للخوف على النفس.
صحيح أن لهذا الموسم ما يشبهه في القلق، بل تحوله إلى ما هو أخطر من ذلك، وهو أمر لا يجوز أن يتكرر، لكنّ في هذا التحدي وغيره من المشكلات الفرعية المتعلقة بتصريح الحج تحديداً دروساً متجددة من المهم عدم تفويتها.
ثبت أن من المهم إبداء الحزم في مواجهة أية محاولة للعبث بأمن الأوطان والمنطقة ومصالحها وطمأنينة ما بقي من شعوبها بعيداً عن أيادي الفوضى والتخريب. ولم يعد مجدياً الصمت عن مواجهة كل من يشجع على الفتنة أو يرعاها، خاصة أنها ليست منذ أكثر من عقود عملاً عشوائياً يبزع مع سخونة قضية ما أو تعرض بلد في المنطقة لأزمة، إنما هي مخطط تتعدد أذرعه وتتنوع في انتمائها وأماكن نشاطها وجهات تمويلها، لكنها تلتقي على رغبة في ألّا تنعم المنطقة بالاستقرار.
لا تزال هذه الأذرع تتوهم قدرة على بلوغ مأربها، رغم فشلها في أكثر من موضع، وأن خلط الأوراق يمكن أن يحشد خلفها مزيداً من المغيبين الذين لا يجدي معهم نقاش أو استتابة ما دام إيمانهم بأن العبث بوحدة الأوطان لا يتزعزع.
لم يكن مشهد الحج، بكل ما فيه من وحدة رغم تنوع مكوناتها، في حاجة إلى كل هذا الجدل وإثارة المخاوف التي فرضت تدقيقاً مشدداً حمل كل قاصد أرض المملكة من أجل أداء الفريضة التصريح اللازم لذلك. وكلنا يعرف أن السلطات السعودية كانت تبدي منذ سنوات تساهلاً محسوباً في مثل هذا الأمر، تحقيقاً لأمنية الراغبين في الحج ولو بمسلك استثنائي من غير أن يحمل ذلك تهديداً لهؤلاء أو لمن يحجون وفق الشروط المحدة.
ولم يكن ممكناً وسط ما استجدّ من مهددات هذا العام المضي في هذا التساهل، وهو الأمر الذي دفع ثمنه حرماناً من أداء الفريضة مئات الآلاف. وحتى من أمكنهم الحج هذا العام بغير تصريح مات بعضهم من الأردنيين، مثلاً، ويصعّب ذلك الاستدلال عليهم أو إحصاءهم.