الثلاثاء 2 يوليو 2024 / 09:09

توطين حماس في العراق.. وماذا بعد؟

سمير داود حنوش - العرب اللندنية

يتخوّف بعض العراقيين من سيناريوهات بدأت ترسم مشاهد قاتمة في الواقع العراقي أبطالها دول إقليمية وتواطؤ داخلي يهدف إلى إرضاء دولة جارة ولو على حساب الشعب العراقي.

وما بين نفي وتأكيد تتوجه الأنظار إلى موقف حكومي لتبيان حقيقة التوجه لتوطين حركة حماس ومكاتبها على الأراضي العراقية بعد مغادرتها قطر، حسب ما أفادت به صحيفة ذا ناشيونال.
انتقال الحركة إلى العراق بقياداتها يعني إمكانية افتتاح معسكرات تدريب لمقاتليها قد تؤسس في أطراف بغداد وبحماية إيرانية، مما يزيد من مستويات التوتر. ويبدو أن قرار التوطين حصل على موافقة القوى الشيعية بضغط من إيران، مما يزيد من احتمال أن يكون القرار جاء بضغوط دولية تجعل العراق في مرمى السخط الأمريكي ودول غربية ومعارضتها للتوطين، إضافة إلى ما سيجلبه هذا القرار من تداعيات خطيرة على السيادة العراقية المفقودة أصلاً حين تصبح الأراضي العراقية أهدافاً سهلة ومنتقاة لشن ضربات إسرائيلية على مواقع الحركة.

قريباً من هذا السيناريو يرى العراقيون الذين عاصروا حقبة النظام السابق أن التوطين استنساخ لتجربة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، التي كانت بمكاتبها ومعسكراتها في العراق، حين استعان بها النظام السابق في قمع انتفاضة الجنوب والوسط التي انطلقت بعد انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991 لإسقاط النظام السابق، عندما كانت هذه المنظمة أداة لضرب الشعب حسب ما تحفظه ذاكرة العراقيين.
الغرابة هو التناقض بين القرار الحكومي المؤيد للتوطين وبين أيديولوجية حماس التي تُكفّر الشيعة، وطالما كانت تؤيد داعش والعمليات الإرهابية في العراق، ولايزال البعض من أعضائها يؤيد التنظيمات السنية المتطرفة التي تعتبر الشيعة من الروافض.
المفارقة تكمن في العلاقة الوثيقة التي تجمع حماس مع الفصائل العراقية، حيث التعاون التسليحي واللوجستي الذي يجمعها في ضرب الأهداف الإسرائيلية.
خطورة توطين حماس في العراق تكمن في إمكانية تزايد نشاط المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية ودول أخرى ليصبح العراق مثل كرة قدم تتقاذفها أقدام منتخبات التجسس في العالم.
بالرغم من أن القرار لم ينل إجماعاً سياسياً أو موافقة كلية، إذ لازالت كتل سياسية وقومية تتخوّف من ذلك التوطين، على اعتبار أنه قرار سيُغضب الجانب الأمريكي ويضع العراق في خانة العقوبات الاقتصادية والسياسية التي قد تُفرض على نظامه.
لا يزال الموقف من توطين حماس ضبابياً يسوده التكتم، حيث يضع العراق تحت نيران الأعداء والأصدقاء، وسيُطرح سؤال لن تجدوا إجابته وهو: لماذا التوجه إلى العراق دون غيره مثل تركيا حليفة الإخوان المسلمين مثلاً؟ المؤكد أن جميع الدول قد وضعت شروطاً قاسية لتقييد الحركة على أراضيها، مما أتاح لها أن تجد أرض العراق ملاذاً آمناً لوجودها، وكأن العراق كان ينقصه فصل جديد من فصول حكاياته التي تزداد مأساوية أو فواجع تجعل المواطن ينظر إلى مستقبل بلاده الغارق في الفوضى، وإرادة داخلية لجرّ البلد إلى صراع إقليمي لن يجني منه سوى الخراب والدمار.
توطين حماس في العراق، إن صدقت معلومة صحيفة ذا ناشيونال، يعني انتحار الحركة سياسياً وعسكرياً في بلد غارق بالتوترات السياسية والفوضى الأمنية، تضاف إليها أرض خصبة لمراكز مخابرات وتجسس قد لا يجر الويلات على الحركة فحسب، بل على العراق الذي لا يستطيع تحمل تكلفة إيواء منظمات يعتبرها الغرب "إرهابية" وتعيد إلى الأذهان العودة إلى البند السابع الذي يفرض عقوبات اقتصادية على هذا البلد، من أجل لعبة مساومة تفرضها إيران على الطرف الآخر للمزيد من التنازلات والمنافع التي ترفع من رصيدها على حساب العراقيين.
المشروع الذي قدمه السيناتور الأمريكي في الحزب الجمهوري "مايك والتز" إلى الكونغرس لتصنيف القادة العراقيين ومن ضمنهم المؤسسة القضائية برئيسها وأعضائها كأدوات للنفوذ الإيراني في العراق، سيكون القشة التي تقصم ظهر البعير، ويؤدي إلى توسيع الفجوة بين أمريكا والعراق، ويدفع الأخير إلى اصطفافات مناوئة للمعسكر الأمريكي، مما يعني تزايد التوترات والفوضى التي قد تصيب شرارتها النظام السياسي في العراق، وهو من السيناريوهات التي باتت الأقرب إلى المشهد العراقي.