السبت 24 أغسطس 2024 / 08:52

قوّة الكلمات

محمّد عبد الرّحيم سلطان العلماء - صحيفة البيان

بالكلمة ارتقى الإنسان على جميع المخلوقات، وحين تعلّم آدم عليه السلام الأسماء امتاز بهذه الكلمات على غيره، واستحق التكريم الذي قصّ الله تعالى علينا من خبره، والكلمة هي الشكل الأرقى الذي اختاره الله تعالى لمخاطبة عباده، فأنزل الكتب السماوية على شكل كلمات، ثم جعل خاتمتها القرآن الكريم الذي كان إعجازه في كلماته في إشارة إلى أنّ الكلمة هي أحد أعظم أسرار الكون.

وأنّ الوجود الإنساني لا يتحقّق حتى تأخذ الأشياء أسماءها، وإذا كانت قيمة الأشياء تُعرف حين نفقدها فلنتخيّل للحظات قليلة كيف ستكون الحياة لو اختفت من عالمنا الكلمات، وحين أراد كليم الله موسى رؤية ربّ العزّة ولم يتحقّق له ذلك في الحياة الدنيا عوّضه الله تعالى عن ذلك بأن اصطفاه بالرسالة والكلمات فقال سبحانه :
{ يا موسى إني اصطفيتُك على الناس برسالاتي وبكلامي}، وحين أراد الله تعالى أن يرفع مجد المسلمين جعل مجدهم في كلمات الله التي رفعت من قدرهم، وشحذت من هِممهم، ودفعت بهم إلى صدارة الأمم وقيادتها بعد أن كانوا ممزّقين تتنازعهم قوى الشرق والغرب، فكان لكلمات الله أكبر الأثر في إعادة صناعة الإنسان العربي، وكفى بهذا دليلا على فضل الكلمات في إعادة بناء الإنسان وإطلاق قُواه الفاعلة، وترقيته في سلم المجد والإنجاز والشهود الحضاري العميق.
تعبيرًا عن هذه القوّة الفريدة للكلمات، أطلّ علينا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بكلمات بديعة تحت وسم «علّمتني الحياة» توقّف فيها عند الأثر العميق الذي تتركه الكلمات في النفس الإنسانية، وهو القائد الخبير الذي عرف الحياة ويعيش بين أبناء شعبه يقودهم في قلب معركة الحياة الكبرى في بناء الوطن، ويعرف كيف تؤثّر فيهم الكلمات سلبًا وإيجابًا، فهو يتكلم كلام القائد النافذ البصيرة في النفس البشرية، ويعرف أنّ لكلماته أثرها العميق في نفوس أبناء شعبه الذين يستلهمون سيرته ومسيرته في بناء الدولة والارتقاء بالوطن والإنسان. «العقول ترقى بالكلمة الجميلة»:
بهذه العبارة المفعمة بالإنسانية يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه التغريدة الثمينة مؤكّدًا على أنّ الكلمة الجميلة في محتواها وشكلها واختيار حروفها هي مفتاح للقلب والعقل، وأنّها عامل تحفيز للرقيّ، فالتشجيع واحترام الجهد الإنساني هو من أكبر الأسباب لإطلاق الطاقة الإنسانية، واستخدام الملكات العقلية في ترقية النوع البشري.
«النفوس والهِمَمُ تُشحذ بالكلمة الصادقة» وباستخدام حرف العطف يجمع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بين معطيات هاتين العبارتين ليؤكّد على أنّ الصدق قيمة أخلاقية لها أعظم الأثر في تفجير ينابيع الإبداع في الإنسان لأنّ الصدق سلوك يمنح الفرد والمجتمع شعورًا بالأمان، ولذلك أمرنا الله تعالى بأن نكون مع الصادقين لأنه سبحانه يعلم أنّ على أكتاف هذا الفريق من الناس يقوم بناء الحياة والحضارة، وها هو صاحب السموّ يؤكد على القيمة الفريدة لنبرة الصدق في شحذ الهمم، واستخراج أفضل ما في الإنسان من الطاقة والإبداع .
«كلماتنا تُمثّل أخلاقنا، وقيَمنا، ومروءتنا» وإذا كان صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد قد أكّد فيما سبق من التغريدة على أثر الجمال والصدق في الكلمات، فهو في هذا القسم من التغريدة يؤكّد على ما تعنيه هذه الكلمات في الدلالة على جوهر الإنسان والمجتمع، فهي مرآة الأخلاق، وبقدر ما تشتمل عليه الكلمات من المعاني الأخلاقية تكون دليلاً على سلوك أخلاقيٍّ حميد.
فما يشيع في المجتمع من ألفاظ الحقّ والعدل والخير هو مِرآة لحالة المجتمع ولذلك نهى الله سبحانه وتعالى عن كلمة السوء، لأنّ الكلمات في جوهرها العميق هي التمثل الحقيقي لأخلاقية المجتمع وهي الدلالة على مروءته ونبل أخلاقه.
«كلماتنا تمثّل أوطاننا .... لنشرّف أوطاننا» وفي هذه الخاتمة الرائعة يتّسع مدار المطالب والفاعلية للكلمات، فهي ليست مجرد ألفاظ ننطق بها بل هي دلالات على شرف الوطن ومجده، وحين يتكلم الإنسان كلمة حسنة يقال: هذا من البلد الفلاني، فتلمع صورة وطنه في ضمير الإنسانية، والعكس أيضًا صحيح، فحين ننطق بالكلمات غير اللائقة فإنّ شرر ذلك عائدٌ إلى أوطاننا التي تستحق منا أن نصونها ونرفع راية مجدها بين الأمم والشعوب.