السبت 23 أغسطس 2014 / 19:40

تلغراف: لماذا أصبح سيف داعش أقوى من قلم "فولي"؟

24 - إعداد: طارق عليان

في غضون ساعات من إذاعة إعدامه على شبكة الإنترنت، أشادت والدة جيمس فولي، المصور الأمريكي المختطف، بابنها عبر صفحة من صفحات فيس بوك. كانت قد أُنشأت في بادئ الأمر كحملة للمناداة بإطلاق سراحه.

وجاء تصريح ديان فولي مقتضباً وهادفاً، إذ قالت إن ابنها "ضحى بحياته في محاولة لأن يكشف للعالم معاناة الشعب السوري" وأنها "لم تكن من قبل أكثر فخراً" به.

وياله من تصريح مؤثر يلمس القلب، ولكن بالنسبة للذين قد يجدون سلواهم في صمود امرأة استطاعت أن تصدر مثل هذا التصريح البليغ في مثل هذه الأوقات العصيبة، يجب أن نضع في اعتبارنا أنه نادراً ما توجد عائلة تستطيع أن ترقى للموقف كما فعلت أم فولر.

مسودة وفاة
أمست المخاطر المحدقة بالمراسلين في المناطق المنكوبة بالحروب أخطر من أي وقت مضى، كما أثبتت الطريقة الوحشية التي قُتل بها جيمس فولي، وذلك بحسب تقرير أعده الكاتب الصحفي كولين فريمان لصحيفة "تلغراف".

ويتذكر كولين فريمان: "منذ سنوات قلائل، أجريت مقابلة شخصية مع فيل بيجلي، شقيق كين بيجلي، الذي اختطف ولاحقاً قطعت منظمة القاعدة رأسه أثناء عمله بالعراق عام 2004، قال لي فيل إن عائلته في إنجلترا أدركت فداحة أزمة كين عندما اقترح ضابط اتصال من مقاطعة مرزيسايد أنه عليهم أن يجهزوا بياناً حال وفاة ابنهم، ومن الأفضل أن يقدموا على هذه الخطوة الآن"، بحسب تفسير الضابط، لأنه "إذا تعقدت الأمور"، قد لا يكونوا في حالة مناسبة تمكنهم من كتابة أي شيء، وكما قال فيل: "لقد جعلتنا كتابة مسودة هذا البيان نتقبل فكرة أنه قد يلقى حتفه بالفعل".

ويقول معد التقرير: "في رأيي الشخصي، مثل هذه التفاصيل البسيطة هي التي تجعلنا ندرك الفداحة الحقيقية لمثل هذه الأفعال الوحشية كقطع رأس جيم فولي، شأنها على الأقل شأن مقاطع الفيديو الخاصة بالجهاديين، فهي تثبت مقولة أن هدف عمليات الاختطاف ليس الرهائن أنفسهم، بل عائلاتهم وأصدقائهم وأبناء جلدتهم الذين لا يسعهم إلا مشاهدة أحبائهم وهم يُقتلون (أو الإعراض عن المشاهدة أصلاً)".

وضوح الشمس
ولفتت الصحيفة إلى أنه "بالنسبة لكثيرين، تطرح عمليات القتل أيضاً سؤالاً مهماً، ألا وهو، لِمَ يُصر مراسلون مثل السيد فولي على الذهاب إلى مناطق كسوريا حيث تعتبر مثل هذه الأقدار خطراً من مخاطر المهنة؟ على أية حال، هذه ليست المرة الأولى التي أعطى فيها فولر عائلته ذريعة للقلق عليه، ففي عام 2011، أمضى فولر ستة أسابيع في أحد السجون في ليبيا بعد أن ألقت قوات القذافي القبض عليه أثناء تغطيته الحرب الأهلية، ولمَّا سئلت عما إذا كان لدى ولدها أية تحفظات بشأن الذهاب إلى سوريا، قالت ديان فولي بصوت هادئ: "ليس لديه ما يكفي من التحفظات".

ويوضح الذين ربما يشككون في قراره أيضاً أنه، في عصر الإنترنت، تبث الحروب في سوريا والعراق عملياً بثاً حياً عبر المقاطع التي يضعها الناشطون والمقاتلون على حد سواء على مواقع الإعلام الاجتماعي، فما الذي يدعو الغرب إذن إلى القيام بالمهمة نفسها، خاصة وأن هيئتهم واضحة وضوح الشمس؟ أليس من الأكثر أماناً ببساطة الاستعانة بمراسلين رسميين وأحرار عرب محليين الذين يتحدث الكثير منهم الإنجليزية بطلاقة؟ تتساءل الصحيفة.

البطولة في الكهف
ويروي معد التقرير: "بعد أن جعلت عائلتي تمر بستة أسابيع مريرة إذ اختطفت في الصومال منذ سنوات قلائل، يمكنني أن أتفهم دعوة الدعاة إلى البقاء بأرض الوطن (ومنهم بحسب ظني بعض أقاربي)، وذلك لأن الاختطاف يخالف التجارب الأخرى التي يشهدها المرء في ميدان المعركة.

ويضيف: "فما أن تعاني من الضرب المبرح أو جرح رصاصة، كما حدث لي في العراق، وإن لم تكن الإصابة خطيرة، ستتندر بها بعدها بأيام قلائل متباهياً تباهِ مراسل الحرب الذي حلمت طوال حياتك أن تكونه، لكن حالات الاختطاف بما يصاحبها من توتر مطول تجبر عائلتك على لعب دور البطولة أيضاً، عندما أصابني الهزال في ذلك الكهف في الصومال، لم يقتصر خوفي على حياتي وحسب، بل كنت أخشى أن يصاب أحد والديْ بأزمة قلبية أيضاً".

وتابع بقوله: "ورغم ذلك، فبعد أن أتيح لي الوقت الكافي للتدبر في هذه المسألة خلال الفترة التي أمضيتها في الكهف، يمكنني أن أذكر عدداً من الأسباب التي تدعو الصحافيين الغربيين إلى تعريض أنفسهم للأخطار".

وأوضحت الصحيفة: "أحد هذه الأسباب الإحساس البسيط بالمنظور التاريخي".

إنصاف مراسل
"رغم الابتكار المثير للاشمئزاز المتمثل في بث مقتل فولي على شبكة الإنترنت، انشغل المراسلون بتعريض أنفسهم للقتل والاعتقال والاختطاف، وإساءة المعاملة منذ أن ظهرت مهنة المراسلة، ولا ينبغي أن نجد غضاضة في التعرض للخطر الآن".

"وثمة سبب آخر، ألا وهو أنه رغم إغراءات الاعتماد على مراسلين محليين لأنهم قد يكونوا أقل عرضة للخطر (وهو ليس حالهم دوماً)، يشعر أغلب المحررين، وهم على صواب في شعورهم، بأنه ما من بديل حتى الآن عن إيفاد طاقم عملهم الخاص بما يتمتعون به من اهتمامهم بأسلوب صحفهم، وحرصهم على رصد التفاصيل، وفهمهم لكيفية قص الأحداث الدرامية المُتكشفة لهم بأفضل ما يمكن لقراء صحفهم.

"إنها الطريقة الوحيدة، إذا شئنا الصراحة، لأن يتعاطى المراسل بإنصاف مع الخبر، والأحداث المأساوية في سوريا والعراق تستحق أن نوليها كامل إنصافنا بحق".

رسائل الجماعات
وأشار معد التقرير إلى أنه "من الممكن أن يتسم عمل المراسل في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالخطر الجسيم. وكلمة "صحافة" من الكلمات التي يتعلمها كل صحافي غربي في الدول المتحدثة بالعربية سريعاً جداً.

وجرت العادة على أن توفر هذه الكلمة قدراً من الحماية في المواقف الخطرة. لكنها لم تعد كذلك الآن. "لم أعد أذكر عدد الزملاء الذين تعرضوا للاختطاف على مدار السنوات العشر الأخيرة، وكثير منهم عانى من أزمات تجعل من مغامرتي في الصومال نزهة خلوية".

وهذا لا يرجع وحسب إلى أن بعض الجماعات الإسلامية أكثر وحشية من عصابات الصراعات السالفة، بل يرجع أيضاً، بحسب الصحيفة، إلى أن مثل هذه الجماعات يمكنها الآن التواصل بشكل مستقل عبر الإنترنت، مما يعني أنها لم تعد تعتمد على أطقم الصحافة الأجنبية لإيصال رسائلها.

القلم والسيف
في الأيام الخوالي، جرى العرف على أن يكون هناك تكافل بين المراسلين وجماعات حرب العصابات: "فانطلاقاً من كوننا الأشخاص الوحيدين الذين يستطيعون بث معاناتهم للعالم الخارجي، كانت لنا قيمة لديهم، الأمر الذي كفل لنا أيضاً درجة من الحماية والحصانة. أما في عصرنا هذا، بالمقارنة، عندما نرى جماعات مثل تنظيم الشباب والدولة الإسلامية في العراق والشام تمتلك أجنحتها الإعلامية وحساباتها الخاصة على تويتر، ما من مراسل يقع في أيديهم يمكن أن يتوقع أن يحصل على الحظوة نفسها لو عرض عليهم أن "ينقل الخبر من وجهة نظرهم الشخصية".

وبدلاً من ذلك، فإن المراسلين الغربيين الذين يغطون مناطق مثل سوريا في أيامنا هذه يتعين عليهم تغطيتها دون أن يتوقعوا أية معاملة خاصة، اللهم إلا أن يجدوا أنفسهم هدفاً للاختطاف وما أسوأ منه، وفقاً للكاتب.

إن إقدام رجال ونساء مثل جيمس فولي على مثل هذه الأخطار يبرهن، بحسب الصحيفة، أياً ما كان يُشاع عن مهمة الصحافة في أيامنا هذه، على أن بعض تقاليد هذه المهنة ما زال موجوداً وبقوة، لكن ذلك لا يمكن أن يخفي حقيقة أننا نعمل الآن في عالم بات فيه السيف أقوى حقاً من القلم.

تجدر الإشارة إلى أن عبارة "القلم أقوى من السيف" صاغها الكاتب الانجليزي إدوارد بولوير في مسرحية المؤامرة في عام 1839، وهي تذكرنا بقول الشاعر العربي أبو تمام "السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب"، والتي قالها أبو تمام للخليفة المعتصم بالله و كان يقصد بها كتب المنجمون الذين أشاروا اليه بعدم مهاجمة الروم لأن النجوم ليست في صالحه.

 بعدم مهاجمة الروم لأن النجوم ليست في صالحه.