يكثر الحديث في وسائل الإعلام في أمريكا، عن وجود "دولة عميقة" تمارس نفوذها لرسم السياسات الأمريكية.

كانت الدولة العميقة في تركيا عبارة عن منظمة إجرامية. لم تكن تمثل القضاء ولا المجتمع المدني أو وسائل الإعلام، ولا البيروقراطيات التي تحاول المشاركة في تطبيق عملية الضوابط والموازين الديموقراطية
وكتب ديفيد غراهام، محرر في مجلة ذا أتلانتيك، يغطي السياسات الأمريكية والدولية، أن الفكرة ليست بجديدة، ولكن سلسلة من التسريبات عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وترجيحات عن عزم بيروقراطيين العمل على إبطاء تنفيذ قراراته، أو تقويض أجندته، أنعش الفكرة. وعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة نيويورك تايمز، يوم الجمعة الأخير، تقريراً تحت عنوان: "مع كثرة التسريبات، مخاوف من وجود "دولة عميقة" في أمريكا.

أمثلة

ويورد غراهام أمثلة عن ممارسة "دولة عميقة" لنشاطها في عدد من الدول من أمريكا اللاتينية وصولاً إلى تركيا، حيث قوض الرئيس إردوغان عدداً من المؤسسات العلمانية المتمسكة بإيديولوجية مصطفى كمال أتاتورك. وقد شهدت تركيا، منذ عام 1960، سلسلة من الانقلابات التي نسب بعضها إلى الدولة العميقة.

استعارة الصفة
وبنظر المحرر، قد يميل البعض لاعتبار التسريبات بشأن الجنرال مايكل فلين وغيرها من الأشياء، كمحاولات لتقويض رئاسة ترامب، رغم كونها ليست انقلاباً ولا يمكن مقارنتها بالدولة العميقة في تركيا. وقد عبر بعض التقدميين عن أملهم بأن تفيد البيروقراطية في ضبط ترامب، مع تجنبهم وصف ما جرى بأنه يمثل نشاط "دولة عميقة". ولكن المدافعين عن ترامب، سواء في الكونغرس أو من اليمين الأمريكي، استخدموا العبارة، كما فعل مراقبون من الوسط، ومنتقدون من اليسار الأمريكي للوضع الأمني القومي. ولم يستخدم بعد ترامب العبارة، ولكن يرجح أن تظهر عما قريب عبر تغريدة يسجلها في وقت متأخر من الليل أو عند فجر أحد الأيام.

لا وجه للمقارنة

ولكن، وكما يلفت غراهام، امتنع خبراء في الشأن التركي عن إطلاق نفس الوصف. إنهم يشيرون لمشكلتين تمنعان إجراء تلك المقارنة. أولهما عدم انطباق الحالة الأمريكية على أي نوع من مقاومة النظام كما جرى في تركيا. وثانيهما، وعند إجراء مراجعة لسياسات تركية سادت خلال العقد الماضي، تظهر مخاطر السماح بزرع فكرة الدولة العميقة في عقل الشعب الأمريكي.
 
في ذات السياق، يقول سونار كاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: "حذار من التلاعب بفكرة الدولة العميقة، لأنها سرعان ما تخرج عن السيطرة بمعنى أنها تصبح وحشاً يساعد أياً كان في السلطة على قمع الحريات وترويع المعارضين، لأنها فكرة ضبابية. ولا يحتاج الأمر لإثبات وجودها. فما إن تنتشر الفكرة، حتى يبدأ الناس في تصديقها، ويمكن لأي شخص التعلق بها".

تشابه ظاهري

وبالرغم من وجود بعض أوجه التشابه والعوامل المشتركة بين الدولة التركية العميقة والمعارضة الأمريكية لترامب، فإنها أوجه تشابه ظاهرية، وحسب.

وحول هذه النقطة تقول زينب توفيقجي، عالمة اجتماع تركية، وكاتبة تعمل في جامعة كارولاينا الشمالية، وكتبت سلسلة من التغريدات الناقدة لمثل تلك المقارنة، إن تلك المقارنات تهدد بإغفال عدد من الاختلافات الجوهرية. فإن البيروقراطية الدائمة أو انشقاق المؤسسات غير الانتخابية عن النظام الانتخابي ليس بالشيء غير العادي في الديمقراطيات الليبرالية.

شبكة مسلحة
وتضيف توفيقجي: "في الحالة التركية، لا ينطبق وصف" الدولة العميقة على ما يجري في أمريكا. فقد كانت هناك "شبكة مسلحة" خفية ومنتشرة في عدد من المؤسسات، ونفذت عمليات قتل. ومن هنا إن رغب بعض الناس في انتقاد مؤسسات انتخابية أمريكية بسبب تسريبها لمعلومات، فهو شيء جيد. ولكن ما يجري ليس بسبب وجود" دولة عميقة" كما هو الحال في تركيا.

قنوات مؤسساتية
نفس الرأي يعبر عنه عمر تاسبينار، أستاذ في جامعة الدفاع الوطني، ويقول: "كانت الدولة العميقة في تركيا عبارة عن منظمة إجرامية. لم تكن تمثل القضاء ولا المجتمع المدني أو وسائل الإعلام، ولا البيروقراطيات التي تحاول المشاركة في تطبيق عملية الضوابط والموازين الديموقراطية ضد حكومة شرعية منتخبة". ما نشهده في الولايات المتحدة هو، وبصورة رئيسية، عمل قنوات مؤسساتية".