هذا الخبر يوازي إنجازات كبيرة يمكن وضعها في ملفات عالمية، ليس لأن الأمانة عملة نادرة، ولكن لأن هذا الاختبار يثبت أن زرع الأخلاق الإماراتية الطيب القائم على النظامية والاكتفاء
وقف قبل أسابيع، سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، معلنًا أنه وعيال زايد لن يسمحوا بالفساد، وسيقفون ضده. وهذا موقف حاسم، يجدد ما قامت عليه الدولة من أسس الأمانة والعدل. ومثّل خطابه روح القيادة، ورغبتها في حسم أي تفلت، وكان مقياسه الحكيم لتطور أي بلد، أنّه إذا رأى موظفي المطارات يأخذون الرشوة، فإنه يعفى عن الاستثمار فيها.

من هذا المفهوم بإمكاننا استنتاج معادلة، أن أي نجاح اقتصادي، يجب أن يكون في جو معافى من أكبر الأمراض التي تأكل رؤوس الأموال، أو بصياغة أخرى يمكن الزعم بأنّ الفساد طارد لكل الأموال المهاجرة والاستثمارات الأجنبية، ودعونا نحاول تطبيق ذلك في الإمارات.

حملت صحف الأربعاء خبراً جاء فيه: "رفض محمود محمد أمين عبد الله الخوري الذي يعمل مديراً تنفيذياً لدى مؤسسة أمن الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة رشوة بقيمة 98 مليون درهم مقابل موافقته على إخراج 98 حاوية محجوزة في ساحة الحاويات في ميناء جبل علي ونقلها إلى مستودعات في المنطقة الحرة بجبل علي لتفريغ محتواها من خشب الصندل الأحمر الممنوعتداوله دوليًا لصالح بائعين ومدير مبيعات وشريك تجاري من الجنسية الآسيوية".

إن هذا الخبر يوازي إنجازات كبيرة يمكن وضعها في ملفات عالمية، ليس لأن الأمانة عملة نادرة، ولكن لأن هذا الاختبار يثبت أن زرع الأخلاق الإماراتية الطيب القائم على النظامية والاكتفاء، يحمل في داخله ترياقاً لسوسة الفساد، ولسرطان الرشوة، وللاختلاسات. وهذا المدير، وغيره من الشرفاء، إذ يقومون بهذه الأعمال المميزة، فإنما يضعون نصب أعينهم، أنهم يمثلون دولتهم ونظامها المؤسسي.

منظومة الفساد تدعو لتآكل مخيف لكل الإنجازات، لذلك فإن العمل المستمر لتفادي الوقوع في فخاخها هو ما تقوم به الدول اليوم، والقدرة على التخلص منها يحتاج بالإضافة إلى القيادة الواعية الحازمة، إلى إرادة شعبية ووعي بالأضرار ليست المباشرة على الشخص فقط، وإنما على منظومة العمل. فربما حالة فساد واحدة تتسبب في نزع شعور المسؤولية من عشرات الموظفين وتودي بالجميع إلى حالة من اليأس والضجر، كما نراه في بعض الدول الأخرى.

حينما نشكر السيد الخوري على موقفه النبيل، ونشكر الجهات النظامية التي ساهمت في الإيقاع بالذين حاولوا تشويه البلاد عبر هذه الجريمة، فإننا نحيي القيم التي تبعثها التجربة الإماراتية، ونعرف أنها تستطيع بكل تأكيد أن تلهم دولاً كثيرة. فبالإضافة إلى الأمانة، فإن الاكتفاء وسلاسة العمل والعدالة الوظيفية، كانت عوامل مهمة لمحاربة هذا الداء.

القيادة التي لا تسمح بالفساد، دائماً ما تجد الصدى من الشعب الذي يضرب أحسن المثل في رفض الفساد والإفساد، وهذه البلاد أمانة نحميها بالالتزام وحسن السفارة والتمثيل، في الخارج وفي الداخل، وهذه الصورة تعود على الاقتصاد الوطني ومنظومة القيم بالكثير من الخير والفائدة.