خلافاً لآراء عدد من الساسة والخبراء الأمريكيين، اعتبر ريتشارد غولدبيرغ، مهندس نقاشات جرت داخل الكونغرس لفرض عقوبات على إيران، أن عدم مصادقة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأخيرة على الصفقة النووية مع إيران، تهدف لاستعادة المصداقية الأمريكية، لا العكس.

وضعت أمريكا أقوى أدواتها الاقتصادية والعسكرية داخل صندوق أمانات، معرضة بلدنا لابتزاز نووي لا محدود من قبل طهران. وقد تنبه خصومنا من حول العالم، ومنهم كوريا الشمالية
وقال غولدبيرغ، في صحيفة "نيويورك بوست"، إن المدافعين عن الصفقة النووية مع إيران متمسكون برواية وحيدة. فقد قال هؤلاء، بدءًا من أرفع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي، وصولاً لسفراء أوروبيين وديبلوماسيين إيرانيين وكتاب افتتاحيات صحفية، إن التخلي عن الصفقة النووية يضر بالمصداقية الأمريكية حول العالم.

العكس هو الصحيح
ولكن الحقيقة، برأي الكاتب، تكمن في مكان آخر، وقرار الرئيس ترامب بعدم المصادقة على الصفقة يوفر فرصة لإعادة بناء المصداقية المفقودة، منذ لحظة تبني الرئيس السابق أوباما سياسة استرضاء إيران وروسيا.

ويعرض غولدبيرغ ما يعتبره درساً تاريخياً على الديمقراطيين إدراكه، مشيراً إلى ما حصل في 8 يوليو ( تموز)، 2008، عندما سافرت كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، إلى براغ، ووقعت اتفاقية تنفيذية لإقامة قاعدة رادار دفاع صاروخي في جمهورية التشيك. وبعد شهر، زارت رايس وارسو للتوقيع على اتفاقية أخرى من أجل إنشاء قاعدة لاعتراض صواريخ دفاعية في بولندا. وفي كلتا الحالتين، أعلنت وزارة الخارجية أن الاتفاقيتين "ملزمتان قانوناً".

رسالة واضحة
ويقول غولدبيرغ إن إدارة جورج بوش خطت خطوات متقدمة لإنشاء شبكة دفاع صاروخي عالمية قادرة على اعتراض صواريخ باليستية مستقبلية إيرانية طويلة المدى، عند عدة نقاط. وجاء إنشاء قواعد في بولندا وجمهورية التشيك بغرض توجيه رسالة إلى إيران معناها "سندافع عن حلفائنا بكفاءة عالية".

لكن روسيا لم تنظر للأمر من تلك الزاوية، بل رأت موسكو في تلك الخطوة بمثابة محاولة أمريكية لإرساء تواجد دائم في مجال نفوذها.

تهديدات
وبحسب الكاتب، هددت الحكومة الروسية بالرد "بوسائل تقنية عسكرية" في حال تم تنفيذ اتفاق الدفاع الصاروخي. ولكن، عشية غزو روسيا لجورجيا، لم تتراجع إدارة بوش، بل استعرضت أمريكا قوتها في وجه إيران وروسيا معاً، وأعادت طمأنة "حلفائنا في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية".

ولكن، برأي غولدبيرغ، لم تمنع اتفاقيتان أمريكيتان "ملزمتان قانونياً" من تنفيذ رغبة أوباما بإعادة ترتيب أولويات استراتيجية أمريكية، بمعزل عن مصالح حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط وأوروبا.

بداية جديدة
وللتدليل على صحة رأيه، يلفت الكاتب لخروج مئات الآلاف من الإيرانيين إلى شوارع طهران، في صيف 2009، للاحتجاج على حكم ديني غير شرعية. ولكن أوباما تمسك بموقفه بشأن "بداية جديدة مع النظام قائمة على الاحترام المتبادل".

وبعد ثلاثة أشهر، وفي الذكرى السبعين لاجتياح روسيا لبولندا، مزق الرئيس السابق اتفاقيتي الدفاع الصاروخي الأمريكي مع بولندا وجمهورية التشيك، متخلياً عن حلفاء أمريكا، ومضحياً بهم لصالح بوتين على أمل "إعادة العلاقات بين روسيا وأمريكا".

وعندها وصفت نانسي بيلوسي، المتحدثة باسم مجلس الشيوخ، خطوة أوباما بأنها "رائعة، وخيار حكيم يحسن وضعنا الأمني".

ضعف
ولكن، بحسب غولدبيرغ، رأت موسكو وطهران في تلك الخطوة مؤشر ضعف، وبدأت روسيا حملة امتدت لسنوات من أجل توسيع مجال نفوذها. وسرعت إيران قدراتها لتطوير أسلحة نووية.

وبحلول عام 2015، تمخضت سياسة الاسترضاء التي انتهجتها إدارة أوباما عن أحد أسوأ الصفقات التي تم التفاوض عليها، خطة العمل الشامل المشتركة، ودفعت مليارات الدولارات لأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، ووفرت لإيران حرية توسيع برامجها الصاروخية، في مقابل تأخير في تطوير بعض أجزاء من برنامجها النووي، ودون ضمان ما يثبت التزام النظام بالصفقة.

صندوق أمانات
وهكذا يقول الكاتب: "وضعت أمريكا أقوى أدواتها الاقتصادية والعسكرية داخل صندوق أمانات، معرضة بلدنا لابتزاز نووي لا محدود من قبل طهران. وقد تنبه خصومنا من حول العالم، ومنهمكوريا الشمالية".

ويضيف غولدبيرع أن تحولاً جديداً طرأ اليوم في البيت الأبيض بعدما هدد ترامب بالتخلي عن سياسة استرضاء إيران ما لم تتم معالجة بعض أوجه القصور في الصفقة النووية.

ويختم الكاتب رأيه بالتأكيد على أن تمزيق صفقة دفاعية مع حلفاء أوروبيين كبار، يعد بالمقارنة مع إعادة التفاوض على "خطة عمل" لم يتم التوقيع عليها، وتهدد حالياً الأمن القومي الأمريكي، بمثابة فكرة صائبة وحكيمة.