سيذهب السياق الذي تحدث فيه الرئيس التركي وستبقى فحوى كلماته ترن في الآذان وتعتمل في الصدور، وهي أن هناك هجوماً غربياً على تركيا بسبب صوت الأذان. ففي رسالة مصورة له قال أردوغان: "لا فرق بين من يهاجم اقتصادنا، وبين من يهاجم صوت آذاننا وعَلمنا"، وذلك تعليقاً على العقوبات الأمريكية ضد بلاده على إثر احتجاز قس أمريكي لأكثر من سنتين بمزاعم تتعلق بالتجسس.

ليس مهماً إن كان أردوغان يدري أو لا يدري ما الذي يزرعه، بل المهم أن ما يقوله يؤدي إلى تلك النتيجة، وهي صبّ الزيت على نار الكراهية الدينية المشتعلة أساساً
وهذه ليست المرة الأولى التي يتفوه فيها أردوغان بمثل هذه الأشياء، بل هذا دأبه منذ أن بدأ يؤسس لعودة الخلافة العثمانية في ثوب جديد وصورة حديثة وتتويج نفسه رأساً للعالم الإسلامي، وهو توصيف من الدكتور نصر محمد عارف في مقالته المعنونة بـ"الذيل الذي يطمح إلى أن يكون رأساً".

وفضلاً عن السياق الذي لن يحفل به أحد، فإنه لا أحد سيقيس تلك الكلمات بميزان السياسة، أي سينظر إلى صاحبها كمتلاعب بالعاطفة الدينية لأغراض سياسية، شأنه في ذلك شأن الإسلامويين عامة.

لكن من الذي سينجر خلف كلمات أردوغان وستخلق فيه الكراهية الدينية؟ إننا لا نتحدث هنا عن هارب من العدالة يعيش في كهوف تورا بورا، ولا عن مغمور نصب نفسه خليفة للدواعش، بل عن رئيس دولة مهمة، وعضو في حلف الناتو، وينظر له الإسلامويون تاجاً على رؤوسهم، وينتمي لدين يعتنقه ما يقارب ملياري شخص موزعين حول العالم، ويتحدث بلغة نحو تسعين مليون شخص في آسيا الوسطى والغربية وأوروبا الشرقية، ناهيكم عن الملايين من الأوروبيين من ذوي الأصول التركية، فضلاً عن بعض العرقيات التي تعد من الشعوب التركية، كالأويغور في الصين.

ولولا هذا لما تورط نجما الكرة الألمانية مسعود أوزيل وإيلكاي غوندوغان بالترويج لحملته الانتخابية قبل أشهر، حيث التقيا به وأهدياه قميصي فريقيهما، بل حمل القميص الذي أُهدي لأردوغان من قِبل غوندوغان، الألماني جنسية وولادةً ونشأةً وشهرةً ومالاً وحياةً مرفهة، عبارة "إلى رئيسي المبجل.. تحياتي"!

ولا يكتفي أردوغان بدعم نظرية المؤامرة الغربية التي تعشعش أساساً في عقول الملايين، بل إنه يحاول استمالة هذه الشعوب عبر التودد إليها، فعلى سبيل المثال، كتب أخيراً تغريدات يقول فيها إنه يعتبر القوقاز والبلقان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا قطعاً من روحه، وأنه حين يفوز حزبه تنهمر دموع الفرح في كافة أنحاء العالم من أفريقيا وحتى البلقان!

وليس مهماً إن كان أردوغان يدري أو لا يدري ما الذي يزرعه، بل المهم أن ما يقوله يؤدي إلى تلك النتيجة، وهي صب الزيت على نار الكراهية الدينية المشتعلة أساساً. وما يفعله أردوغان فعله قبله الخميني، لكن مشروع الأخير كان يعاني نقطة ضعف كبرى من الناحية المذهبية، لذلك لم يسفر مشروعه سوى عن عداء ودماء على المذهب في عموم منطقة الشرق الأوسط، بينما المشروع العثماني بقيادة أردوغان قد ينتهي إلى كارثة أكبر.