حبذا لو تعترف الذكورية بأنها من وضعت المقلاع في يد المرأة في المقام الأول تحت ذرائع الحيطة والحذر والحماية، وما تعميماتها الحالية سوى دليل على أن ساعدها قد اشتد
تزعم صديقتي أنها تيقنت بأنها أمام رجل أحلامها حينما قالت له على سبيل السخرية "جعل الرجاجيل للماحي" –أو إحدى المرادفات الكثيرة لعبارة "men are trash" المستفزة-، فلم يكن منه سوى أن وافقها الرأي، عوضاً عن أن يتوحّش على غرار إحدى شخصيات "باب الحارة" المصابة بالذكورية المفرطة، ويتهمها بخدش كبريائه.

وحقيقةً، لم أفهم معيارها العجيب في تحديد الرجل المناسب، فبحسب ما تؤكد لي ذاكرتي، إن عبارة "men are trash"، وكل ما يوازيها من تعميماتٍ فظةٍ ظالمةٍ سوداويةٍ مشينةٍ تلحق بالرجل، هي في الواقع من صنع الرجل نفسه، وما لنا –حتى مع تطرفنا في النسوية، ولله الحمد- من يد فيها!

فأتذكر حينما استقبلت أبي باكيةً في فترة الظهيرة لأشكو إليه زميلي في رياض الأطفال، والذي كان –قاتله الله- يعكف على رفع تنانير الفتيات، والهرب ضاحكاً. أخبرت أبي باسم المجرم الثنائي، وبشعبة فصلي، بل وحتى بموقع مقعده في الفصل.

وعلى الرغم من أنه عرف للجاني الصغير اسماً، فإن أبي قال بعينيه المتسعتين، وبسبابته التي راحت تضرب الهواءً تشديداً على أهمية كلماته، "احذري من الفتيان، فجميعهم قليلو أدب".
حاضر. 

لنقفز 10 سنواتٍ إلى المستقبل، حينما رحنا نستجوب أستاذ التربية الإسلامية عن مدى جواز الصداقة بين الجنسين. ومع كل "حرام" و "لا يجوز" كان يزأر بها واثقاً، كنا نزقزق كالعصافير الذعرة بحججنا وتبريراتنا، "ولكن ماذا لو كنا محتشمات؟"، "وماذا لو كانت صداقة بغرض تبادل العلم؟"

ولم يكن من أستاذنا سوى أن استلّ سيف الحق، وقطع الشك باليقين قائلاً، "الفتيان لا يبحثون عن الصداقة النقية، وكلهم تدور بأذهانهم الأفكار الشيطانية".
حاضر.

وبقفزةٍ أخرى إلى المستقبل، أجد نفسي في حضرة صديقتي حينما تناهى إلى مسامع جدها حديثها عن رفضها لفكرة المهر، والتي تعتبرها تسليعاً غير لائقٍ تفضّل الاستغناء عنه بمهرٍ رمزيٍ، ولو كان درهماً.

"درهم؟ درهم؟". ظننا بأن جدها سيعطينا محاضرةً عن القيمة الفعلية للدرهم في ذلك الماضي السحيق الذي يعود إليه.

"درهم؟ حقاً إنكِ فتاةٌ حمقاء! الرجال غدّارون، بيّاعون، خائنون، ناكرو عشرة. إن سمحتِ له بالزواج منك بمهرٍ رمزيٍ -وهو ما لن أرتضيه لأنكِ لستِ سلعةً فاسدةً- فلن يصعب عليه أن يتخلص منكِ، أو يتزوج عليكِ، أو يسيء معاملتكِ".
حاضر.

لن ألطّف أو أجمّل أي تعميم سلبي قاسٍ متحيزٍ غاضبٍ تطلقه المرأة باتجاه جنس الرجال، فليس مقلاعها بأكثر ضرراً مما تشنه ضدها ترسانة كاملة هي المنظومة الذكورية. ولكن حبذا لو تعترف الذكورية بأنها من وضعت المقلاع في يد المرأة في المقام الأول تحت ذرائع الحيطة والحذر والحماية، وما تعميماتها الحالية سوى دليل على أن ساعدها قد اشتد لترمي معلمتها.

بكلمات أخرى، التعميم هي لغة "كاملي العقل والدين"، وما نحن إلا طالبات نجيبات حفظنا الدرس، وحفظناه جيداً.