كل شيء تقريباً كان متوقعاً، الأشياء كانت تسير كما هو مخطط لها بين كوشنر ونتانياهو، التقارير القادمة من الميدان يجري التعامل معها، حذف هنا وإضافة هناك، تصريح غير مكلف للإيحاء بتوازن ما، تغريدات غير ملزمة في الغالب ولكنها تترك أثراً على شاشات الفضائيات، وتتحول، رغم سذاجتها وخفة أفكارها، إلى سلسلة لا تنتهي من الحوارات وتستدعي جيشاً من المحللين في قراءات لا نهاية لها، الى أن تظهر تغريدة جديدة تطوي الأولى وتعيد إنتاج دائرة الأبحاث والتحليل تلك.

المشكلة مع ظهور غانتس غير المحسوب وائتلاف "أبيض أزرق" وفضيحة الغواصات الألمانية، التي قد تطيح بأحد "الرسل" الأساسيين في الخطة، إذا سقط نتانياهو سينهار كل شيء ولن يدخل أحد التاريخ
الأمر كان يعتمد ببساطة على تواصل عمل "المجموعة"، تجديد مبكر ومضمون لولاية نتانياهو الرابعة، تحت مظلة واسعة من رعاية إدارة ترامب وفريقه، وراء الزجاج يمكن رؤية الدخان والمنطقة وهي تتفكك، حيث يمكن ببساطة تحت هذا الدخان تمرير أفكار ائتلاف اليمين الفاشي في إسرائيل، واليمين الأصولي الأبيض في أمريكا كاملة، وهذا يشمل الإعداد ليوم الدينونة ونهاية العالم، على يد مجموعة من "الرُسل" البيض من نوع ترامب، وبنس، وبومبيو، وأتباع، أقل قداسة بدرجة أو درجتين، من نوع غرينبلات، وديفيد فريدمان، بينما يحصل كوشنر على جناحين وهالة على الرأس.

التاريخ تم إعداده أيضاً ليستوعب الدخول الملحمي لـ "ترامب" مُخلصاً للشعب اليهودي، في استعادة معاصرة للامبراطور الفارسي "قورش الأخميني".

يُريد ترامب بشدة أن يصبح قورش، ثمة من وعده بذلك، قورش مُخلص اليهود من السبي البابلي، الذي أعاد لهم نفائس الهيكل المنهوب، وأعادهم إلى القدس، وسمح لهم ببناء الهيكل الثاني، قورش غير اليهودي الوحيد الذي مجدته التوراة، يريد ترامب أن يصدق أنه هدية الرب لليهود، هذا تقريباً ما لمح له بومبيو، مع انزياح بسيط يمكن تعديله، في مقابلة مع "شبكة البث الأميركية المسيحية"، أخيراً حين اعتبر بخشوع: 

"أن الرب هو من بعث ترامب للشعب اليهودي لينقذه من ايران".

فكرة المذيع كانت قادمة من "العيد اليهودي "البوريم" ومن مقارنة بين الرئيس الأمريكي ترامب و"استير" الزوجة اليهودية للملك الفارسي "خشايارشا الأول"، التي أنقذت، حسب الرواية التوراتية، اليهود من الإبادة على يد "هامان". والتي يحتفل اليهود بمناسبتها بعيد "البوريم" في مارس( آذار).

تبدو المقارنة غير واقعية ومبالغاً فيها بين أستير زوجة ملك فارس وترامب، ملك الولايات المتحدة، ولا تخلو من مسحة هزلية، خاصةً إذا استحضرنا إستير الجميلة في المخيلة الدينية، لوحة رامبرانت التي تصور الملك، وإستير، وهامان على سبيل المثال.

في المقابل سيرد جواد ظريف، الذي يمكن أن يكون هامان حسب بومبيو، مدافعاً عن تاريخ فارس في "حماية اليهود"، ومستعرضاً ذلك التاريخ في تغريدة طويلة مقتبساً من التوراة.

ترامب يريد أن يصبح قورش، وليس إستير، كما يقترح مذيع الشبكة المسيحية، ووزير خارجيته بومبيو، وليس زوجها بالتأكيد، لا أحد يتذكر "خشايارشا" إلا بصفته زوج إستير، وهذا لا يبدو كافياً أيضاً.

في إسرائيل انتبهوا لذلك مبكراً، قبل الشبكة المسيحية ومذيعها، منظمة اسرائيلية غير حكومية أعلنت أنها بصدد سك عملة بمناسبة نقل سفارة أمريكا إلى القدس، وسيكون وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطبوعاً على العملة الرمزية، إلى جانب وجه الملك الفارسي قورش.

بينما ذهب الحاخام مردخاي بيرسوف من مؤسسة "بكداش" التوراتية إلى إصدار بيان حول النبوءة القديمة التي بدأ ترامب بتحقيقها عبر نقل السفارة، مستشهداً بقول قورش قبل 2500 عاماً: لقد كُلفت ببناء بيت في القدس، هنا مرة أخرى، يقول الحاخام، يقوم الرئيس ترامب ببناء بيت في القدس.

هذه هي ببساطة الأيديولوجيا التي تقف خلف سلسلة العطايا التي يقدمها ترامب لـ نتانياهو، من القدس إلى الجولان كمرحلة أولى ثم الضفة الغربية، ومزارع شبعا في مرحلة قادمة، الأيديولوجيا التي تُبث للناخبين البيض في الولايات المتحدة، والأصولية اليهودية الثرية والمتنفذة، الأمر يحدث ببساطة، يجلس ترامب، أو قورش على مقعد في البيت الأبيض ويوقع على الهبة، ويستعرض التوقيع أمام الصحافة وسط تصفيق "الملائكة" في صورة تذكارية، الأمر ليس حل الدولتين، أو "لدولة الواحدة، أو وعد بلفور، إنها عملية إعداد طويلة لـ"يوم الدينونة" بتكليف الهي.

المشكلة ليست مع العرب الآن، أو مع داعش، أو مع الفلسطينيين، يمكن تأجيل كل هذا، المشكلة مع ظهور غانتس غير المحسوب وائتلاف "أبيض أزرق" وفضيحة الغواصات الألمانية، التي قد تطيح بأحد "الرسل" الأساسيين في الخطة، إذا سقط نتانياهو سينهار كل شيء، ولن يدخل أحد التاريخ، لذلك يجري حمله على الأكف والأكتاف الأمريكية لرئاسة الوزراء في اسرائيل.

هذا لا يعني أن غانتس سيتوقف عن إطلاق النار على العرب، وقتل أولادهم، وبناء مستوطنات جديدة، ولكنه خارج "الأمر"، قد يستخدم الدافع، ولكنه يفتقر للإيمان.