حال صخب ردود الفعل على أجواء الاحتفاء بكتاب "رئيسنا قدوتنا" دون توضيح جوهر الأسباب المتعددة والمتشعبة للرفض الذي قوبلت به فكرة تعميم مقولات ورؤى الرئيس الفلسطيني محمود عباس على المؤسسات التعليمية الفلسطينية.

لجديد في كتاب "رئيسنا قدوتنا" يكمن في توقيته حيث بلغت هشاشة السلطة ذروتها مع وصولها إلى طريق مسدود
إذا قارناه بتأثير الإعلام المرئي والمسموع، ووضعنا في الاعتبار العزوف عن القراءة لن يضيف الكتاب الكثير إلى مناخات الدعاية التي لم تخرج عن مسار تكريس الزعيم الرمز، والفصيل القائد.

ولا شك أن عنوان الكتاب ومضمونه وعاصفة الاحتجاجات التي تسبب بها، أقل إثارة من عنواني كتابي رشيدة مهران "عرفات الرقم الصعب"، و "عرفات نبيي" ولوحة الفنان ناجي العلي التي أعقبتهما، ودفع حياته ثمناً لها.

الحاشية الإعلامية المحيطة بالرئيس، التي كانت محل هجوم البعض، ليست جديدة على التجربة الفلسطينية، ففي بيروت ما قبل الاجتياح كانت هناك جوقة شبيهة حول عرفات، اختلفت مخرجاتها بعض الشيء نتيجة لاختلاف الظروف، والمرحلة لكنها امتلكت ذات الأدوات، والأذرع الأخطبوطية، وبقيت تدور حول القائد أو تتماهى مع سياساته.

يضاف إلى ذلك ظاهرة شعراء، وكتاب السلطة التي رافقت زمن ما كان يعرف بالثورة في بيروت وتونس، وانتقلت فيما بعد إلى رام الله، لترعى موجة النكوص عن شعارات ساهمت في ترويجها وتعيد تشكيل الوجدان الفلسطيني بما يتناسب مع ما تم الاتفاق عليه في أوسلو.

إلى جانب هذا وذاك، ظهرت في رام الله كتب مذكرات وسير ذاتية، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تروي أحداثا بعيدة عن الواقع مستفيدة من موت رجالات مراحل سابقة وعدم اكتراث الباقين على قيد الحياة، وأقصى ما تطمح إليه إضفاء هالات البطولة على أصحابها، والتكسب من مراكز القوى.

ولكي لا نظلم السلف والخلف في حزب "الثورة" و "السلطة" بعد انهيار مشروعه المعلن وتأرجحه في فراغ اللامشروع لم تكن المعارضات الفلسطينية بيمينها ويسارها بعيدة عن محاولة تكريس الرمز، والإيحاء باحتكار الفعل والحكمة.

الجديد في كتاب "رئيسنا قدوتنا" يكمن في توقيته حيث بلغت هشاشة السلطة ذروتها، مع وصولها إلى طريق مسدود في ظل تراجع الولايات المتحدة عن دعمها، وغموض احتمالات تعايشها مع المشروع الصهيوني.

تقود دلالات اللحظة التي جاء فيها الكتاب وتداعياته إلى عدد من التفسيرات، بينها أنه محاولة للدفاع عن سياسات تجاوزها الزمن بعد أن أثبتت فشلها، ودفع الشعب الفلسطيني فواتيرها من دماء أبنائه، والرغبة في تخليد رئيس يجري الحديث بين فترة وأخرى عن قرب رحيله، وتراجع الملاءة المالية للسلطة التي كانت قبل انقطاع التمويل الأمريكي عنها نقطة التقاء نخب مستعدة لخوض حروب طاحنة من أجل مصالحها .

غياب جوهر أسباب صدور الكتاب واختلاف مقدمات ودوافع ومبررات الانفعال الذي أعقبه، لا يخفيان حقائق من المفترض التوقف عندها مثل تحميل الفلسطينيين قيادة السلطة مسؤولية ما وصلت إليه قضيتهم، واعتبارها سبباً في المجهول الذي انتهوا إليه، وتهافت فرضية التفاف الفلسطينيين في الداخل والخارج حول رام الله لمجرد إعلانها عن رفض صفقة القرن .