"سووش"، هو صوت الاستلاب الثقافي –أو الـcultural appropriation كما يعرفه بعضكم- الذي يمرّ بخفة يد عجيبة من أمامنا دون أن نلحظه
قادتني قريبتي رغماً عني إلى إحدى محلات الماركات العالمية الفاخرة، على الأقل لنستمتع باستقبال الفاتحين الذي يحظى به السيّاح الخليجيون حتى يكتشف الباعة بأننا مجرد مراهقتين مفلستين، فيعاقبوننا بالبرود الأوروبي المعهود.

ولم يلفتني شيئاً في المتجر آنذاك سوى الابتسامة الساخرة التي رصدتها على وجه البائعة حينما تناولت زبونتها الخليجية وشاحاً حريرياً ثميناً، ووقفت أمام المرآة لتلفّه حول رأسها كالحجاب. تنبّهت بائعة أخرى إلى الزبونة، وراحت تتبادل الضحكات الساخرة مع زميلتها، دون أن تجرؤ أي منهن على إخبار الخليجية بأن الوشاح يُلف حول العنق، لا الرأس.

"سأشتريه"، قالت الخليجية محدقة في انعكاسها. وحينها ذابت الابتسامة الساخرة، وأومأت البائعة برأسها بأدب مفرط، فيما راحت تجهّز العلبة للزبونة.
لقد لاحت للبائعة في الأفق العمولة التي ستحصل عليها من بيع الوشاح، فلم يعد يهمها ما إذا كانت هذه "البدوية الجاهلة" ستلفّه حول عنقها كما يُفترض، أو حول رأسها، أو حتى حول خصرها لترقص به.

كل ما سمعته البائعة في ذلك الحين هو صوت "سووش" الناتج عن انزلاق البطاقة الائتمانية على الجاهز الماسح. وهو الصوت الوحيد الذي لا يزال يتردد في الرؤوس المتضخمة، حتى بعدما أطلقت بعض الماركات العالمية خطاً خاصاً بالحجابات والعباءات، كما فعلت "دولتشي آند غابانا" و "مايكل كورس"، وحتى بعدما قامت بعض الدور الأخرى –مثل "كريستيان ديور" و "غوتشي"- بدمج الحجاب ضمن عروض أزيائها.

"سووش"، هو صوت الاستلاب الثقافي –أو الـcultural appropriation كما يعرفه بعضكم- الذي يمرّ بخفة يد عجيبة من أمامنا دون أن نلحظه.
فيتم الاستيلاء على خصوصياتنا -والتي كانت قبل ذلك مرفوضة ومستهجنة ومحلاً للسخرية أصلاً بالنسبة إلى الغرب-، ثم يتم تجريدها من كل معانيها ورمزيتها بالنسبة إلينا، ومن النضال الذي ارتبطت به في أذهاننا، وإعادة تسويقها إلينا كما لو كانت منتجاً جديداً. والاختلاف الوحيد في كونها أصبحت الآن جديرة باهتمام الرجل الأبيض وفضوله.
وكل ذلك بغية الربح المادي.

فـ"سووش"، يمطّ الساحر الأبيض حجابنا –والذي يكلّفنا في بلاده ويلات العنصرية والتمييز والإسلاموفوبيا- عن رؤوسنا، ويعيد بيعه إلينا كسلعة فاخرة، وإكسسوار هام في مظهر أي امرأة.

و"سووش"، يخفي الساحر الأبيض حجابنا وعباءاتنا -والتي لم يخجل يوماً من التصريح باعتبارها قيوداً ذكورية تطوّقنا-، ثم يجعلها تتبختر أمامنا على منصة عروض الأزياء، لنصفق لها بانبهار.

و"سووش" يوما ماً، فيثني الساحر الأبيض الملاعق والشوك الصلبة التي وضعها في أيادينا، والطاولات التي نصبها في منازلنا، ويقرر أن يبيعنا "موضة" الجلوس أرضاً على "السماط" –والذي سيحمل طبعة "شانيل" الفاخرة بالطبع- والأكل بالأيدي، متناسياً تعييبه السابق عليها، واعتبارها سلوكاً مقززاً ومرفوضاً!

وحتى نغضب كما غضبت الطائفة السيخية مؤخراً من دار "غوتشي" لوضعها العمامة الشهيرة في إحدى عروض أزيائها، فستستمر أصداء "سووش" في التردد على حسابنا.