ثمة ما يوحي بالتقاء رغبات طهران والعواصم الغربية عند تحييد الشارع الإيراني المنهك، والقوى المؤثرة فيه عن تجاذبات العقوبات، والملف النووي المحكومين بتوازنات دولية وإقليمية تبقيهما مفتوحين على جميع الاحتمالات.

التقاء النظام الايراني وخصومه الغربيين عند تهميش المعارضات الإيرانية والحد من قدرتها على التأثير في الشارع وانعكاسات مثل هذا الالتقاء على مسارات أزمة الملف النووي وتفاعلاتها الإقليمية مؤشر آخر على تريث غربي في التفكير بتغيير قواعد اللعبة
المؤشرات المتداولة حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الفئات الأوسع من الإيرانيين مغرية لتفكير واشنطن وحليفاتها الغربيات بمد الأصابع إلى الداخل الإيراني توطئة للضغط من أجل صياغة معادلات جديدة تجبر صناع القرار الإيرانيين على تقديم تنازلات.

ورغم الدعوات التي تظهر في الغرب لدعم المعارضات الإيرانية، وتظاهرات الإيرانيين ومؤتمراتهم التي يجري تنظيمها بين الحين والآخر في هذه العاصمة أو تلك، لدفع العواصم الغربية إلى مواقف أكثر تشدداً هناك، ما يظهر إصرار الادارة الامريكية على التجاهل العلني لهذه المؤشرات، ومنح تطمينات لطهران من خلال النفي المعلن لمشاريع تغيير النظام الإيراني.

على الجانب الآخر لا يعدم النظام الإيراني أساليب مراوغة أطياف سياسية، ضاقت ذرعاً بالإفرازات الداخلية للتعاطي مع التحدي الخارجي، وتهميشها لتسهيل تحييدها عن الصراع مع الولايات المتحدة وشركائها الغربيين.

تتعمد السلطات الإيرانية وأدواتها مثلاً الإبقاء على هامش للتعبير عن رفض السياسات المتبعة، لكنها لا تتيح للرافضين التفكير في الانتقال إلى خطوة التنظيم الذي يشكل خطراً حقيقياً على الحكم، ما يقلل من فعالية أصوات الرفض، ويبقيها تحت سيطرة أجنحة النظام وإذا تجاوزت التطورات الداخلية هذه العتبة، هناك ردود فعل أخرى من بينها تصعيد إجراءات القمع وتعويم الخصوم بتحريك تظاهرات الولاء الضخمة في ميادين المدن الكبيرة.

يزيد التقاء إرادات النظام وحلفائه وخصومه الدوليين حول هذه المسالة من إرباكات وأزمات المعارضات الإيرانية سواءً الداخلية أو الخارجية التي لديها أذرعها وقدرتها على الحركة في الداخل الإيراني.

من بين الانعكاسات الناجمة عن مثل هذا الالتقاء وعوامل أخرى، فقدان الشارع الإيراني الثقة في قوى المعارضة الحقيقية الراغبة في التغيير، حيث لا يخفى وجود قناعة لدى قطاعات واسعة من الإيرانيين بأن معارضة الخارج مفككة ومخترقة من قبل النظام في الوقت الذي لا تستطيع القوى الشبابية في الداخل تنظيم نفسها والصمود أمام قسوة الإجراءات.

وجود طيف المعارضات الإيرانية بأشكالها وألوانها اليسارية والليبرالية وحتى الدينية، بين فكي كماشة يساهم في تكريس الوضع الراهن، رغم ما يواجهه من انتقادات ويحول دون العثور على مخارج أو هوامش واسعة لحركة ألوان الطيف السياسي الإيراني في مواجهة اللون الواحد.

يعني ذلك من بين ما يعنيه، بقاء المعارضات الإيرانية في دائرة شلل وانتظار، قد يطول ويطيل الصعوبات المعيشية التي تعيشها فئات واسعة من الإيرانيين، ما لم تحدث متغيرات في المشهد الدولي الذي ترعاه الولايات المتحدة وحليفاتها.

التقاء النظام الايراني وخصومه الغربيين عند تهميش المعارضات الإيرانية والحد من قدرتها على التأثير في الشارع، وانعكاسات مثل هذا الالتقاء على مسارات أزمة الملف النووي وتفاعلاتها الإقليمية، مؤشر آخر على تريث غربي في التفكير في تغيير قواعد اللعبة.