في الدولة آلاف من الموظفين تم استخدامهم من قبل السياسيين، وهم هكذا عبء على الدولة وعلى الدين العام
الصراعات اللبنانية لا تزال الى الآن مدموغة بالطوائف. من الممكن القول أن الصراع على لبنان، بحسب عنوان دراسة أحمد بيضون، هذا الصراع الذي يقوده ملوك الطوائف، والذي دار بالسلاح طوال الحرب الأهلية، يتكشّف الآن عن عمق اقتصادي وخلفية اقتصادية، فالصراع على الدولة هو ذو وجه اقتصادي، والأزمة التي يكثر الحديث عنها هي أيضاً أزمة اقتصادية، أو على حافة أزمة اقتصادية والدولة، ليست سوى لعب بالمال العام وصفقات متتابعة، وحين وصلت الأمور الى الحافة صار ممكناً الكلام عن الأزمة المالية الاقتصادية، وصار واضحاً أن الصراع الطوائفي هو أيضاً، في حقيقته، صراع مالي، وبدا أن ما يجري من وراء الدولة ومن أمامها، هو في حقيقته، اقتصادي مالي، والطوائف هي في النهاية شبكات اقتصادية والصراع السياسي يمتد على أرضية اقتصادية.

يمكن أن نبدأ بمثل واحد هو شركتا الخليوي «التلفون الخليوي»، التي في عز الأزمة الاقتصادية وعلى حافة الانهيار الاقتصادي، أتمّ وزير الاتصالات شراء مقر لإحداهما بمبلغ 750 مليون دولار، وللدولار بحد ذاته قصته الخاصة، فالدولار الذي وصل الى 1500 ليرة لبنانية وما يزيد، هو أيضاً محل صراع لبناني. الأزمة الاقتصادية تتعلق بشكل خاص بالدولار وسعر الدولار الذي بدأ يهتز، وحين نتكلم عن الأزمة الاقتصادية فإننا نتوصل بسرعة الى سعر الدولار الذي لا يزال مضطرباً.

لا بد من الحديث عن الدين العام الذي وصل الى عشرات المليارات. هذا الدين الذي يصب في صالح البنوك لم تجد الدولة مناصاً من الاستغراق فيه، بحيث يتزايد كل عام وكل عام نقترب أكثر من الكارثة، رغم أن في يد الدولة أن تقننه وأن تقفز عليه، فهناك مصادر للدخل لا تمس. يكفي أن نتكلم هنا عن الأملاك البحرية التي تمتد على طول الشاطئ اللبناني، وهذه تعني في جملة ما تعني، مرافئ بكاملها ومسابح ومقاهي على امتداد الشاطئ. هذه الأملاك شبه مبذولة بالمجان أو بإيجارات رمزية تعود الى فترات كانت فيها الليرة ذات سعر بالليرات. هذه الإيجارات شبه الوهمية تحرم الدولة من عائد قد يساوي دينها العام وقد يفوقه، ورغم النقاش الدائر حول الأزمة الاقتصادية فليس هناك أي رغبة بالمساس بالأملاك البحرية المؤجرة لسياسيين أو لأتباع سياسيين يتقاسمون الأرباح مع السياسيين، وغالباً ما يكون هؤلاء أسماء مستعارة لسياسيين أو أقنعة لهم.

في عز نقاش الموازنة ظهرت الكارثة، ففي الدولة آلاف من الموظفين تم استخدامهم من قبل السياسيين، وهم هكذا عبء على الدولة وعلى الدين العام. لقد فُتحت الدولة لتوظيف بلا حساب وبلا معيار، وهكذا دخل اليها مئات الألوف بدون عمل تقريباً لهم وبدون مهمات. هؤلاء الموظفون لا يصلهم بالدولة سوى المعاش الذي لا يعرفون له وجهاً الا في أوان تسلمه، إن لم يُتسلم عبر البنوك. مئات الألوف يملأون مهاماً غير معروفة فهي مسماة فحسب، والموظفون يستخدمون حسب التوزيع الطائفي، ولما كان المسيحيون قلة في المتقدمين للوظائف، واحد مسيحي مقابل 23 مسلماً، فإن نتائج امتحانات المستوظفين تحل كلياً بالمناصفة وبالتوزيع الطائفي، مما جعل نتائج الامتحانات مهملة، بل تكاد هذه النتائج أن تُلغى فيبقى الفائزون فيها ينتظرون بيأس توظيفهم.