يرى طارق فتاح، كاتب عمود لدى صحيفة "تورونتو صن"، وزميل في منتدى الشرق الأوسط، أن صراعاً جديداً يحتدم في شرق المتوسط، وقد يبدو لأشخاص عاديين أنه يتعلق بالحرب الأهلية في ليبيا.

ليس مؤكداً أن الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة يدركون أن تركيا تعمل على إنشاء شكل من الخلافة الإسلامية عبر وكلائها في العالم العربي
لكن وفق فتاح، ما يجري، في حقيقة الأمر، ليس إلا محاولة من تركيا لإعادة بسط سيطرتها على العالم العربي الذي فقدته بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما أنهى قرابة 600 عام من الحكم العثماني للشعب العربي في منطقته العربية المستعمرة.

مجلس الأمن
وتدخل اليوم مجلس الأمن الدولي، وطالب جانبي الصراع الليبي بالتوصل إلى اتفاق هدنة، وإحياء العملية السياسية الهادفة لإنهاء الحرب الجارية.

ولكن الكاتب لا يتوقع تطبيق اتفاق هدنة في ليبيا لسبب بسيط وحيد، وهو أن تركيا تسعى لأن تحكم تلك الدولة من خلال أتباعها، مراهنة على افتقار موسكو وبرلين والاتحاد الأوروبي للإرادة أو الشجاعة للتصدي لتنمر الرئيس رجب طيب أردوغان.

وليس مؤكداً، حسب كاتب المقال، أن الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة يدركون أن تركيا تعمل على إنشاء شكل من الخلافة الإسلامية عبر وكلائها في العالم العربي.

الأجندة حقيقية

وتكشف كلمات قائد الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا عن الأجندة التركية على حقيقتها. فقد قال أحمد شهابي في 17 يناير(كانون الثاني) ضمن لقاء مع تلفزيون آكيت التركي "سنذهب إلى ليبيا والصين وإلى كل مكان فيه جهاد. ونحن مستعدون للتضحية بأرواحنا وأطفالنا في سبيل الخلافة العثمانية".

ويشار إلى أن الحكم العثماني انتهى في عشرينيات القرن الماضي على يد مصطفى كمال أتاتورك الذي خلع السلاطين، وألغى خلافة العثمانيين التي دامت عدة قرون، وأنشأ جمهورية تركية علمانية على أساس المبادئ الأوروبية للدولة القومية.

وفيما تقترب الذكرى المئوية الأولى لتجربة أتاتورك الفريدة في إقامة دولة علمانية ناجحة في مجتمع إسلامي، تبدو حكومة أردوغان الإسلامية عازمة على محو إنجازات أتاتورك، وإعادة ترسيخ الإسلام في تركيا وعالمها الاستعماري السابق في أنحاء العالم العربي.

ظاهرة واضحة
وبرأي كاتب المقال، تبدو تلك الظاهرة أشد وضوحاً في سوريا، وهي تتضح أيضاً في ليبيا حيث تسلح تركيا وتمول حكومة رئيس الوزراء فايز السراج المحاصرة في طرابلس، والتي تحارب قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.

كما ينظر أردوغان إلى اتفاق حدود بحرية مع حكومة طرابلس المحاصرة كفرصة لكسب مزيد من النفوذ في مياه المتوسط الغنية بالثروات، ما يثير قلق اليونان، عضو في الناتو، وجزيرة قبرص ومصر بالطبع.

ويلفت الكاتب لانعقاد مؤتمرين في موسكو وبرلين حول ليبيا، ولكنهما لم يسفرا عن هدنة ولا أمل بوقف عداوات بين حفتر المدعوم من قبل مصر وقبرص واليونان من جهة، وحكومة فايز السراج المترنحة من جانب آخر.

وفيما يعمل قادة أوروبيون على منع اندلاع حرب كاملة، أدركت قبرص واليونان ومصر منذ أكتوبر(تشرين الأول) الماضي حقيقة الطموحات التركية، وحذرت أنقره بشأن ضرورة "وقف أنشطتها العدوانية" في شرق المتوسط، بما فيها التنقيب عن النفط في المياه القبرصية، وهو ما اعتبرته تلك الدول "خرقاً للقانون الدولي".

سياسات توسعية
وفي ردها على تلك التحذيرات، أرسلت تركيا سفينة حفر إلى المنطقة التي سبق للسلطات اليونانية أن منحت حقوق التنقيب على موارد هيدروكربونية فيها إلى شركات إيطالية وفرنسية.

ولا تقتصر سياسات تركيا التوسعية على المتوسط، بل عززت أنقره دعمها لدول إسلامية غير عربية، واضعة ماليزيا وإيران وباكستان تحت أجنحتها كثقل موازن في مواجهة منظمة التعاون الإسلامي بزعامة السعودية.

ويرى الكاتب أن تقويض الديمقراطية في تركيا قد يعتبر نكسة بالنسبة للشعب التركي وأقليته الكردية، ولكن هناك ما يدفع للتفاؤل من خلال انشقاقات تشهدها حركات إسلامية دولية تسعى لتقويض ديمقراطيات في كندا وأمريكا وأوروبا والهند.