أصاب وباء كورونا الجزائريين بالذعر والفزع مثل باقي سكان العالم، وأرغمهم على التخلي عن عاداتهم الاجتماعية، في الوقت الذي خسر فيه بعضهم مصدر قوته اليومي بعد التدابير الاحترازية التي اتخذتها الحكومة في محاولة لاحتواء تفشيه.

في الساعات الأولى لدخول قرار الحجر الشامل على سكان إقليم ولاية البليدة لمدة 10 أيام قابلة للتجديد، تنفيذاً لقرارات المجلس الأعلى للأمن، نصبت فرق جهاز الدرك الوطني التابع لوزارة الدفاع، نقاط تفتيش متفرقة على مستوى مداخل ومخارج المدينة.

ومُنع مرور كل المركبات والسيارات باستثناء المرخصة من جهاز الدرك.

وتعتبر مدينة البليدة،40 كيلومتراً جنوب العاصمة، بؤرة كورونا في الجزائر بعدما سجلت 125 إصابة مؤكدة من إجمالي 23، منها 8 وفيات من أصل 17.

وفي داخل المدينة، بدا وكأن الناس لم تلتزم بالحجر الشامل في البيوت.

وقال محمد، إنه اضطر للخروج والوصول إلى إحدى البقالات لاقتناء ما يلزم من مواد غذائية، حتى لو أن الأمر تطلب منه استخدام طريقة دبلوماسية لإقناع رجال الشرطة بالسماح له بالمرور.

وذكر محمد أن البقالات والصيدليات مفتوحة لتمكين الناس من قضاء حاجياتهم، لافتاً إلى التغيير الكبير في السلوكيات يكمن في الحرص على الالتزام بالتدابير الصحية الوقائية الصارمة حتى داخل البيوت.

في وسط الجزائر العاصمة، التي فرض عليها حظر تجوال جزئي من السابعة مساء حتى السابعة صباحاً، بدت حركة السير عادية بعض الشيء قبل أن تتراجع إلى أدنى مستوياتها تقريباً مع حلول منتصف النهار.

وشبه سمير، الوضع العام في وسط العاصمة بـ"اللحظات الأخيرة التي تسبق آذان المغرب والإفطار في شهر رمضان"، مع تأكيده أن أبواب البقالات والصيدليات مفتوحة عكس المطاعم والمقاهي ومتاجر الألبسة وفضاءات الكثير من الخدمات العامة.

وأكد محمد، الإعلامي بإحدى الصحف الناطقة بالفرنسية، أنه ملزم بالعمل من البيت وإتمام مهمته قبل منتصف النهار بالتوقيت المحلي، طبقاً لتوجيهات إدارة التحرير.

شلل تام
وأوقفت السلطات عمل وسائل النقل العام، وأمرت بمنع تجمع أكثر من شخصين، وهو وضع جعل من الإدارات العامة مراكز خاوية، بينما سيطر رجال الشرطة وعمال النظافة على مشهد الشوارع والساحات الرئيسة.

يقول حسان الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، إن لكورونا تأثير بالغ على المجتمع الجزائري، وأول أثر هو زيادة الاستهلاك من خلال عمليات تخزين واسعة للسلع والمواد الغذائية الأساسية من قبل المواطنين، ما تسبب في ندرة في بعضها، وفتح الطريق أمام بعض المضاربين لزيادة الأسعار واستغلال الظرف لتحقيق أرباح مالية.

يضاف إلى ذلك تأثر الكثير من الأنشطة الاقتصادية سواء الحكومية أو الخاصة وحتى النشاطات الاقتصادية الفردية. فالقطاع الحكومي أعلن إعفاء 50٪ من الموظفين من العمل وعدة شركات خفضت مستويات نشاطها إلى الحد الأدنى بما فيها أكبر شركة في البلاد، شركة المحروقات سوناطراك.

وتأثر القطاع الخاص هو الآخر، إذ توقفت حركة المواصلات العامة داخل المدن وبين المحافظات التي يضمنها هذا القطاع بنسبة 90%، إضافة لتجار الكترونيات، ومواد البناء، وقطع غيار السيارات، وأغلقت المقاهي والمطاعم والكثير من المتاجر، ما تسبب في إحالة آلاف العمال على البطالة الإجبارية، وحرم عشرات آلاف العائلات من مصدر رزقها.

ودعا بشير، الذي يعمل في شركة خاصة، إلى التفكير في تفعيل الصندوق الوطني للتضامن مع الأسر المتضررة من تداعيات كورونا، تمكينها من تعويضات مالية.

في المقابل زادت بعض القطاعات حكومية وخاصة نشاطها إلى الضعف مثل الصناعات الغذائية والصيدلانية تماشياً مع الظرف الراهن.

تشير التوقعات إلى أن الآثار ستكون وخيمة على الاقتصاد الجزائري إذا استمر هذا الظرف خاصةً أن الوباء رافقه تهاو غير مسبوق لأسعار النفط مصدر الدخل الرئيس للبلاد من النقد الأجنبي.

وقبل أيام أعلنت الحكومة خطة تقشفية جديدة للتكيف مع الوضع الذي أفرزه وباء كورونا.

ويتساءل حسان، عن الحال الذي ستكون عليه الجزائر إذا استمر الوضع الحالي لأشهر؟ وكيف ستتعامل الحكومة مع الأعباء المالية المترتبة عن ذلك؟، معترفاً في الوقت نفسه بأن القطاع الخاص لن يكون قادراً على الاستمرار في دفع مرتبات موظفين لا يعملون، حينها سيكون الآلاف إن لم نقل ملايين الجزائريين مجبرين على دخول في بطالة إجبارية ،وعطل مطولة دون رواتب.