ثمة من هو أسوأ من أصحاب الفكر الضيق، إنهم أولئك الهازلون المستهترون الذي يجدون في هذه الظروف مجالاً لخفة الدم، ويجدون أنه من الشجاعة الاستهتار بهذا العدو الذي يتربص بالبشرية
الجائحة الصحية التي تمر بالعالم لمّا تنته بعد. هل هي في أسبوع الذروة، أم أسبوع الغرق، أم أنها تتجه للانحسار؟ لا أحد يجزم، فالإجابات ستختلف باختلاف الدول وحالاتها وإجراءاتها. لكن الذي يجزم به العالم أن الجائحة ما زالت قائمة، والإجراءات الاحترازية تتصاعد، فهذا المتوقع وهو ما يراه الكل في المنظور القريب.

ولأنها مسألة صحية وشأن علمي، فإن علماء البيولوجيا والأطباء هم مرجعية المجتمع ونجومه في هذه الفترة. من يمكن أن نسميهم فقاعات إعلامية انفجروا وتلاشوا، لا هم فحسب بل حتى المحللون الاستراتيجيون لم يجدوا طرحاً يجذب الناس إليهم. لكنهم رفعوا شعار لا يأس مع الحياة. عادوا من الأبواب الخلفية، فأصبحوا ينظرون لمرحلة ما بعد كورونا، ويرسمون صورة متخيلة للعالم وما سوف يكون عليه. لكنهم وللسخرية لا يستطيعون أن يعرفوا متى تنتهي هذه الجائحة ومتى تبدأ مرحلة ما بعد كورونا.

أصحاب الطرح المحدود استنفدوا كل رصيدهم من التحليلات، وكذا أصحاب نظرية المؤامرة، معادو الإمبريالية، معادو الحضارة، معادو أنفسهم، لم يجدوا ما يمكن أن يقولوه في وضع يعيشونه للمرة الأولى، ولم يكونوا قد تخيلوه قط.

لقد أغلقت دور السينما ضمن ما أغلق من مرافق، لكني لا أدري إن كانت صادقة تلك الرواية عن محل السينما الذي وضع عبارة تهكمية على الباب الموصد تقول (السينما مغلقة حتى يتوقف الواقع عن محاكاة الأفلام). أنا فعلاً في حيرة من أمري من شدة التطابق بين ما يحدث اليوم وبين فيلم أمريكي أو رواية صدرت قبل عشرين عاما أو مسلسل كوري يصف ما يجري اليوم وصفاً دقيقاً، فأحار أهو من التوافق الذي جاءت به الصدفة، أم أن خيال البشر يحس بالأخطار أو يستجلبها؟.

أقرأ وأتابع كل ذلك بعجب، وشيء من الإعجاب. لكني أتابع بعجب وكثير من التحسر على عقول لم تستشرف سابقاً، ولا تريد أن تستشرف اليوم، فضيق الأفق يجعلها ترى ما تحب أن تراه وفق نظرتها الإيدلوجية الضيقة وتتعامى عن هذه المصيبة التي تهدد الإنسانية جمعاء.

ثمة من هو أسوأ من أصحاب الفكر الضيق، إنهم أولئك الهازلون المستهترون الذي يجدون في هذه الظروف مجالاً لخفة الدم، ويجدون أنه من الشجاعة الاستهتار بهذا العدو الذي يتربص بالبشرية. هذه العاهات الفكرية يجب أن تحجم، وتلجم. فصوت العقل والوعي هو ما نحتاجه.