يتكلمون عن إنعاش الصناعة والزراعة، وأمور كهذه شبه خيالية. يتحدثون عن استعادة الأموال المنهوبة، وهذا بالطبع لا يقل خيالية. أما ما يجري في الواقع، ولا تملك الوزارة دفعاً له، فهو الحجر على ودائع الدولار الصغيرة والمتوسطة
فيما يتصدر خبر كورونا، ومواجهة كورونا، نشرات الأخبار في لبنان، كانت الحكومة اللبنانية تتلطى خلفهما، فقد أدت كورونا إلى خلو الشوارع وكان أن توارت الانتفاضة مؤقتاً الى أن عادت في مظاهرات سيّارة. الانتفاضة التي قامت منذ ستة أشهر وأخلت الشارع بسبب كورونا، ولدى أول فرصة سمح بها الطقس صودرت خيامها. هذا في الوقت الذي كانت فيه الأزمة المعيشية والاقتصادية وهي من بواعث الانتفاضة الرئيسية، تشتد وتزداد بفعل كورونا أيضاً وما جرّته هذه من وقف عمل وبطالة وغلاء.

الأزمة تتفاقم لكن الشارع شبه خالٍ، والحركة، أياً كانت، خطرة على الجميع وغير مقبولة، لما تجره من أضرار وما تؤول اليه من تفشّي الوباء. لكن المشكلة التي بدأت بها الوزارة عهدها لا تزال ماثلة. منذ أن قررت التوقف عن دفع المستحقات دين اليوروبوند الدولي، وهي عملياً أمام هذه الأزمة التي فاقمتها كورونا. هذه بالطبع مشكلة الحكم الأولى وهي المعيار الأول لفاعليته، وإذا كانت الكورونا طغت، إلا أن المشكلة زادت بفعل كورونا، فإن بين كورونا والأزمة الاقتصادية تفاعلاً وترابطاً أكيدين. الوزارة التي أحسنت، إلى حد ما، تقنياً وإجرائياً، مواجهة كورونا التي، لحسن الحظ وحسن حظ الوزارة المؤقت والمهدد بدرجة أولى، بدأت مساراً انحسارياً، رغم أن مشكلة الكورونا، شأنها شأن المشكلة المعيشية الاقتصادية، مستعصية وتنذر بالمخاطر. غياب القدرة على مواجهة تفشيها هو نفسه غياب القدرة على المواجهة المعيشية الاقتصادية.

لم يكن اللبنانيون يتخيّلون أن وزارة نشأت من الأزمة، يمكنها أن تواجه كورونا. الحقيقة ان هذه المواجهة فاجأت الوزارة كما فاجأت اللبنانيين. لكن في هذا الوقت كانت الوزارة أقل فاعلية في مواجهة المشكل المعيشي والاقتصادي والمالي.

لم تستطع أن تفعل شيئاً أمام تدهور الليرة أمام الدولار المستشري تصاعد قيمته التي بلغت رقماً خطراً هو 4000 ليرة لبنانية. هنا ليست كورونا في المواجهة، بل الطبقة السياسية وأكثر من ذلك المصارف، في نظام تشكل المصارف أحد أركانه الأساسية.

يتكلمون عن إنعاش الصناعة والزراعة، وأمور كهذه شبه خيالية. يتحدثون عن استعادة الأموال المنهوبة، وهذا بالطبع لا يقل خيالية. أما ما يجري في الواقع، ولا تملك الوزارة دفعاً له، فهو الحجر على ودائع الدولار الصغيرة والمتوسطة. هذا بالطبع يطال قسماً كبيراً نسبياً من الجمهور اللبناني، بما في ذلك الجمهور الانتخابي والطائفي. يمكن هنا أن نتميّز مدخرات ما يصل الى كثيرين من الأبناء والأقارب المغتربين ومدخرات الذين قبضوا تعويضاتهم وتقاعداتهم. يمكننا أن نفهم من ذلك أنه سبب دفاع الزعماء السياسيين عن المودعين الصغار والمتوسطين الذين يشكلون نصيباً مهماً من المجتمع العائلي والانتخابي والطائفي. لكن هذا الدفاع لا يملك، إلى الآن، ترجمة عملية.

الدفاع لا يفضي الى شيء فعلي. مع ضجة المدافعين عن "قدس أقداس" المودعين الصغار وودائعهم التي ينبغي "أن لا تمس"، تستمر المصارف في الحجر على هذه الودائع، بحيث لا يستطيع المودع اليوم أن يتلقى دولاراً واحداً من ودائعه. ليس هذا فحسب بل قرر حاكم البنك المركزي رياض سلامة أن لا يقبض الذين لهم حوالات بالدولار، من الخارج، هذه الحوالات بالدولار بل بالليرة اللبنانية.

المصارف اليوم بخلاف قرار الوزارة مغلقة في وجوه الزبائن، وليس في الصراف الآلي، الذي بقي وحده للمودعين، أي دولار. ذلك يعني أن المصارف تتبع سياستها الخاصة ولا تبالي بقرارات وزارة. من هنا نفهم أن كورونا تخدم الوزارة، إذ ما ان تنحسر حتى يواجه الجميع، الوزارة والشعب، نتائج حكم السياسيين والمصارف.