عاشت العاصمة اللبنانية بيروت أمس مشاهد حرب، بعد اشتباكات بالرصاص الحي والقذائف الصاروخية، قادتها ميليشيا حزب الله، لإعاقة تحقيق القاضي طارق البيطار في انفجار بيروت، ما يهدد بعودة لبنان إلى ذكريات الحرب الأهلية الطاحنة التي عاشها اللبنانيون بين 1975 و 1990.

ووفق صحف عربية صادرة اليوم الجمعة، أكدت الأحداث في بيروت، أن لا مستقبل للبنان ولا مصالحة فيه في ظل هيمنة حزب الله وحلفائه، سياسياً وعسكرياً على البلاد.

مناخ حرب
وتعليقاً على أحداث الخميس، قالت صحيفة الرياض السعودية في افتتاحيتها، إن المواجهات كانت "مآلاً متوقعاً منذ زمن مديد، إذ كشف الخميس الدامي أن كل خطابات التحذير من الفتنة، وكل النيات الطيبة لبعض الأطراف المستضعفة، لا يمكنها أن تخفي الواقع السياسي المختطف في لبنان منذ جريمة اغتيال رفيق الحريري".

وأوضحت الصحيفة أن ما فعله حزب الله في الأعوام الماضية، كان تفكيكاً مستمراً "لبنى لبنان الطائف، المستقرة والمتوازنة، والتي شكلت صمام أمان للبلد الخارج من حرب أهلية طويلة ودامية، فكان أن عبث بهذه التركيبة الدقيقة وأفرغها من مضمونها، وصولاً إلى موقع التحكم التام في تشكيل الحكومات، بدءاً من رأس الحكومة حتى أصغر الحقائب الوزارية".

وأشارت الصحيفة إلى أن اللعب على وتر الطائفية واختبار الحساسيات المذهبية " كان لا بد أن يجر لبنان إلى الفتنة، ومناخ الحرب الأهلية سيئة الذكر، ولا أحد يود أن يرى لبنان يستعيد هذا الفصل القاتم من تاريخه، غير أنه لا يمكن للبنانيين أن يحلموا بدولة طبيعية مستقرة وثمة مكون لبناني يرى نفسه أكبر من لبنان ذاته".

سلوك وقح
وفي صحيفة الشرق الأوسط، قال مشاري الذايدي "عادت حليمة لعادتها القديمة، حزب الله اللبناني وحليفته أمل، يضربون الأمن السلمي الأهلي اللبناني في الصميم، ويشهرون السلاح، حتى الثقيل منه، في شوارع بيروت لتهديد الآخرين".

وأضاف الكاتب أن ما حصل في بيروت "يتجاوز شكله الظاهري المتمثل في احتجاج من الحزب الإيراني وتابعه أمل، ضد إصرار القضاء اللبناني ممثلاً في القاضي الشجاع طارق بيطار في التحقيق الكامل في كارثة انفجار ميناء بيروت، في رسالة واضحة تريد ميليشيات حزب الله بعثها للجميع، نحن نحكم لبنان وحدنا، من يتوهم غير ذلك أو ينخدع ببعض اللطف السياسي، فعلينا تذكيره جيداً وبطريقة فجّة بمن نحن وماذا نقدر عليه".

وشدد الكاتب على أن ما أقدم عليه حزب الله أمس في بيروت "إعلان صريح، بعد غزوات الحزب السابقة، لغرب بيروت، وجبل لبنان، عن أن أصل الداء في لبنان هو بقاء هذا الحزب الخطير الذائب في فنجان الخمينية، يبلطج في لبنان، ويتحدى الجميع. إن سلوك حزب الله الوقح هذا، هو من يستدعي الحرب الأهلية، وليس من يحمي الناس منها، للأسف هذه هي الحقيقة".

فتنة
وفي صحيفة الشرق اللبنانية، قال خليل الخوري: "إنها جريمة في حق لبنان واللبنانيين، إذ فيما الجوع استوطن نصف البيوت، والفقر احتل أكثريتها الساحقة، وفي هذا الوقت الحساس جداً، بالغ الدقة والخطورة، جاء التطور الأمني الكبير ليقضي على آخر مقومات هذا الوطن، وليقضي على النذر اليسير جداً المتبقي من مقومات قيامته".

وأوضح الكاتب أن "الحدث الخطِر، أمس، أعاد الأزمة العامة في البلد إلى منطلقات ما قبل تشكيل الحكومة" و "إلى ذلك فقد ثبت، منذ جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي أن الحكومة الحالية وليد هجين، رغم الماكياج الفاقع في وجوه ورؤوس بعض أعضائه، إذ أن ما تخلل تلك الجلسة من تهديد ووعيد، يكشف حقيقة تركيبتها الهشة من جهة، كما بين كم أن غير فريق من الوزراء لا يملك الحد الأدنى من القرار، إذ سارع رهطٌ منهم إلى الاتصال بمرجعياتهم لأخذ التعليمات والتوجيهات أيضاً".

وانهى الكاتب قائلاً: "في الأساس والمنطلق حذارِ الفتنة. قديماً كانو يقولون: الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها، اليوم نقول: الفتنة يقِظة لعن الله من يحركها".

عين الرمانة بين 1975 و2021
من جهتها، قالت صحيفة الأنباء الكويتية: "حصل ما كان في الحسبان، واستعادت العاصمة اللبنانية بيروت مشهدية حرب السبعينات التي انطلقت من محوري الشياح عين الرمانة إثر حادثة مرور موكب لإحدى الفصائل الفلسطينية باتجاه مخيم تل الزعتر" في 1975.

وأضافت الصحيفة "طبعاً الحدث لم يكن ابن ساعته، فقد سبقته تهديدات وتحديات، باشرها حزب الله ضد قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار، الذي يبدو أنه اقترب أكثر مما يجب في تحقيقاته في ملف تفجير المرفأ في أغسطس(آب) 2020، وقابلتها القوى المناهضة والمدافعة عن إجراءات القاضي ضد النواب علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ونهاد المشنوق، والوزير السابق يوسف فنيانوس، تحت شعار دعم الدولة في مواجهة الدويلة".

وأوضحت الصحيفة أن "حركة أمل ومعها حزب الله، شرعت في حشد المناصرين لمظاهرة الأمس، مقابل استعدادات غير ظاهرة في المنطقة المقابلة" مضيفةً "ومع تحرك المسيرة من مستديرة الطيونة، التي تشكل الحد الفاصل بين الضاحية الجنوبية، والضاحية الشرقية، انهمر رصاص القنص من المباني العالية، فيما كانت طليعة المسيرة بلغت قصر العدل. وفجأة ظهر السلاح في كل مكان وتفرق المتظاهرون، أمام الرصاص الكثيف والإصابات المتساقطة على الأرض. وتمكن الجيش من إلقاء القبض على احد القناصة، وتبين وفق معلومات أولية انه ناطور بناية غير لبناني في محلة الطيونة"