دعت النائب السابق واللفتنات كولونيل المتقاعدة من الجيش الأمريكي تولسي غابارد، واللفتنانت كولونيل المتقاعد دانيال ديفيس الإدارة الأمريكية إلى تغيير سياستها الأوكرانية لتعكس الوقائع القاسية في ميادين القتال الدموية في شرق أوكرانيا.

على الغرب عموماً والأمريكيون خاصةً أن يستندا في السياسة إلى وقائع القتال، وألا يسعوا بطريقة متهورة إلى نتيجة لا يمكن الوصول إليها.
وتقول الوقائع إنه كلما طال سعي كييف إلى الانتصار العسكري يصبح تعرضها للهزيمة أكثر ترجيحاً.

أفضل من التوقع

كتب ديفيس وغابارد في مجلة "فورين بوليسي" أنه في بداية الحرب، تحمس كثيرون في أوكرانيا والغرب بعد الفشل الواضح لجيش الكرملين في اجتياح كييف، وإجبار الحكومة على الاستسلام. اتضح ذلك بعد خسارة الروس الصادمة لآلاف الدبابات والمدرعات الأخرى وعشرات آلاف الجنود، خاصةً  على جبهتي كييف وخاركيف.

وفي المقابل، قاتلت القوات الأوكرانية المسلحة ببطولة وفاعلية فكان أداؤها أفضل من المتوقع. رداً على ذلك، سرعت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تسليم الأسلحة والذخيرة إلى كييف. لكن التسليم كان عبارة عن مزيج من الطراز الحديث والقديم من الأسلحة الغربية والسوفييتية.

ارتجال ومطالب
يتطلب العديد من الأنظمة تدريباً متخصصاً ومنظومات صيانة محددة وذخيرة من عيارات مختلفة غالباً ما تكون حصرية لكل نظام سلاح.

وتتطلب جميع هذه الأنظمة لوجستيات كبيرة ومعقدة للإبقاء على تسليم الأسلحة وعمليتها وهي غير موجودة حالياً في أوكرانيا، حيث يُعمل على ارتجالها.

وفي غضون ذلك، يطالب القادة الأوكرانيون بالمزيد من الأسلحة قائلين إن الكميات التي أرسلها أو تعهد بها الغرب غير كافية إلى حد بعيد.

وكتب المستشار الرئاسي ميخايلو بودولياك في الأسبوع الماضي أنه إضافة إلى الأسلحة الموعودة، لا تزال أوكرانيا في حاجة إلى 1000 هواتزر من عيار 155 ميليمتراً و 300 قاذفة صواريخ متعددة الإطلاق، و500 دبابة، و2000 آلية مصفحة، و1000 طائرة دون طيار.

إن حجم هذه المطالب يظهر مدى صعوبة صمود القوات الأوكرانية في مواجهة الهجوم الروسي، ناهيك عن قلب موازين القوى وهزيمة المهاجمين.

هكذا تتفوق روسيا
منذ أن غيرت روسيا مسارها وأعطت الأولوية للقوة النارية على المناورة في دونباس، أمطر جيشها القوات الأوكرانية بما يصل إلى 70 ألف قذيفة يومياً، وبعدد كبير من المقذوفات الثقيلة.

وتطلق القوات الروسية نحو 300 طلعة جوية فوق أوكرانيا يومياً. في المقابل، تطلق أوكرانيا تقريباً عُشر هذا العدد من القذائف وتقود أحياناً ثلاث إلى خمس طلعات جوية يومياً.

يؤدي هذا التفاوت في القوة النارية إلى خسائر أوكرانية أكبر من قدرة البلاد على تحملها، مع تداول الأنباء عن مقتل 200 جندي يومياً وجرح 500.

والخسائر التي لحقت بمعدات كييف مدمرة. إذ فقدت أوكرانيا معظم المعدات التي كانت تملكها من الحقبة السوفييتية، ونفدت منها فئات كاملة من الذخيرة.

لا يستطيع أي جيش تحمل مثل هذه الخسائر ومواصلة المقاومة الفعالة وهذا ما اتضح في خسارة أوكرانيا لعدد من البلدات والقرى أخيراً والتطويق شبه الكامل الذي تتعرض له في دونباس.

دعم أوكرانيا 20 عاماً؟
يبدو أن السياسات في كييف وواشنطن تتجاهل هذه الوقائع الميدانية. كرر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الأسبوع الماضي نيته استعادة جميع الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا منذ 2014 والتي تساوي حالياً 20% من أوكرانيا.

وعن آفاق تسوية تفاوضية أضاف زيلينسكي في اليوم الموالي "لا وقت للتحدث" إلى روسيا. وقالت نائب وزير الدفاع كاثلين هيكس أخيراً إن البنتاغون مجهز جداً لدعم أوكرانيا 5 أو 10 أو 20 عاماً. لكن الكاتبين يستندان إلى خبرتيهما الميدانيتين ليتساءلا إذا كانت أوكرانيا قادرة على الصمود 5 أو 10 أشهر.

مصلحة أوكرانية وأمريكية
طالما أن الوقت متاح وأن كييف تسيطر على 80% من أراضيها، سيوفر تغيير السياسة الأمريكية فرصة لإنقاذ أرواح الأوكرانيين، وتفادي المزيد من الخسائر. وعلى الأقل يجب على إدارة بايدن التقليل من أهمية أهدافها بإضعاف روسيا، وإعطاء الأولوية للديبلوماسية عبر مساعدة كييف وموسكو في وضع نهاية ديبلوماسية للحرب.

من مصلحة أمريكا القومية منع تصعيد الحرب أو توسعها إلى خارج الحدود الأوكرانية. وتفادي خطر مواجهة أمريكية روسية أو أطلسية روسية أمر حيوي بسبب العواقب الوخيمة لحرب نووية. خطر اندلاع حرب نووية الآن، هو الأكبر منذ أزمة صواريخ كوبا.

إن توقيت وكيفية إنهاء الحرب بيد أوكرانيا وروسيا، لكن الأسلحة الأمريكية ومساعدات أخرى تدعم جهود أوكرانيا الحربية. وكما لأوكرانيا كلمتها، فإن للولايات المتحدة أيضاً كلمتها، فالمصالح الأمريكية غير متطابقة مع مصالح أوكرانيا. وستواجه أي تسوية معقدة مثل التنازلات الإقليمية ووضع أوكرانيا  المحايد. ورغم أن الخيارات غير مستساغة، فإنها ستصبح أصعب كلما أحرزت روسيا مكاسب ميدانية كما من شبه المؤكد أن تفعل في دونباس.

خطورة تجاهل الواقع
من مصلحة أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة والعالم، أن تنتهي هذه الحرب، وعلى الغرب عموماً والأمريكيون خاصةً أن يستندا في السياسة إلى وقائع القتال، وألا يسعوا بطريقة متهورة إلى نتيجة لا يمكن الوصول إليها. إذا استمر تجاهل الواقع فترة طويلة، يُمكن أن تخسر أوكرانيا الحرب تماماً ومعها النفوذ الذي تملكه.