لم تحظَ إستراتيجية الدفاع الأمريكية في شمال وغرب أفريقيا بالاهتمام الإعلامي الذي تستحقه، فقرار المجلس العسكري الحاكم في النيجر مؤخراً بتعليق تعاونه العسكري مع الولايات المتحدة، وميله إلى روسيا، يشير إلى أنَّ المنطقة بلغت منعطفاً حرجاً.

لفترة طويلة، اعتمد الانخراط الأمريكي في إفريقيا على مجموعة محدودة من الشركاء

لذا، يرى أمين غوليدي زميل زائر في مركز أليسون للأمن القومي في "هيريتيج فاونديشن" البحثية الأمريكية، أن اتخاذ الخطوات الصحيحة للتصدي لهذا التطور أمر بالغ الأهمية. غير أن الأمر لن يكون سهلاً. فتحوُّل النيجر، على خلفية تفكك تحالف دول مجموعة الساحل الخمس وتصاعد التهديدات الأمنية وتفاقم التنافس بين القوى العظمى، يشدد على الحاجة إلى إعادة تقييمٍ شاملة للمنهجيات الأمريكية تجاه الشراكات الإستراتيجية في المنطقة، حسبما أفاد الكاتب في مقاله بموقع "ناشونال إنترست".
لفترة طويلة، اعتمد الانخراط الأمريكي في أفريقيا على مجموعة محدودة من الشركاء ونموذج مُوحَّد للتعاون الأمني. وفي حين أنَّ هذه المقاربة حققت إنجازات، كتحييد قادة حركة الشباب الصومالية الفاعلين في الصومال بمهمات مدعومة من شركاء الولايات المتحدة، فقد جعلت واشنطن أيضاً عُرضةً للصدمات.

ويقول الكاتب، إن خسارة قاعدة أغاديز الجوية، التي دعمت الجهود الأمريكية عبر الساحل، تُقوِّض بشدة قدرات مكافحة الإرهاب الإقليمية للولايات المتحدة. 

ويكشف تداعي مجموعة دول الساحل الخمس، وهو تحالف إقليمي لمكافحة الإرهاب تدعمه الولايات المتحدة، عن قيود الاعتماد على مجموعة محدودة من الشركاء. ورغم مساهمات الولايات المتحدة التي تراوحت ما بين تدريب ومعدات ودعم مالي، واجهت مجموعة دول الساحل صعوبةً في التصدي للتهديدات عبر الوطنية، كما يتضح من استمرار توسع الجماعات الإرهابية في مالي وبوركينا فاسو، والقرارات الأخيرة التي اتخذتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر بمغادرة التحالف تُلقي الضوء بقدرٍ أكبر على الحاجة إلى منهجية أكثر مرونة للشراكات الاستراتيجية في المنطقة.

رعاية شراكات مع أطراف قوية ومستدامة

لضمان المصالح الأمريكية طويلة الأجل، يؤكد الكاتب ضرورة منح الولايات المتحدة الأولوية لإقامة ورعاية شراكات مع شركاء أقوياء ومستدامين يشاركونها مصالحَ مشتركة على غرار تلك الموجودة في أماكن أخرى من القارة. ويتطلب ذلك التعاون مع دول تملك القدرة والاستقرار والإرادة السياسية لتكون حلفاء مؤثرين على المدى البعيد، مع ضمان تخصيص هذا التعاون بما يتناسب مع احتياجاتها الأمنية وسياقاتها السياسية الفريدة.
ويكمن جزء لا يتجزأ من هذا الإطار الإستراتيجي في الاحتفاظ بقوات استجابة سريعة مختصة في أفريقيا مدعومة بشبكةٍ من القواعد الاستطلاعية ومراكز الخدمات اللوجستية الضرورية لتنفيذ مهام مكافحة الإرهاب والاستجابة السريعة للأزمات.

وهذه المرونة التشغيلية، الحاسمة أرضاً وجواً وبحراً، تدعم استراتيجية الولايات المتحدة حفاظاً على وجود بحري متعدد الاستخدامات لحماية طرق التجارة الحيوية ومكافحة الشبكات غير المشروعة وتأمين البنية التحتية البحرية الضرورية للازدهار الاقتصادي في المنطقة.

استراتيجية بحرية مهمة

وتُبرِز أهمية هذه الاستراتيجية البحرية حجمَ التجارة العالمية الكبير الذي يمر عبر المياه غرب أفريقيا سنوياً، إذ اكتسبت هذه الإستراتيجية أهميةً أكبر بعد تعطُّل حركة المرور في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين.
وأفاد الكاتب بأنه من بين مجالات التعاون المُحتملة توسيع نطاق التعاون مع شركاء مثل موريتانيا. فموقعها الاستراتيجي وتجربتها في مكافحة الإرهاب يجعلانها شريكاً محتملاً عظيم القيمة. ورغم تفكك تحالف دول مجموعة الساحل الخمس، فنجاح موريتانيا الأخير في منع الهجمات الإرهابية على أراضيها ومشاركتها الفاعِلَة في جهود مكافحة الإرهاب الإقليمية يدلان على التزامها بمكافحة التطرف.

وقال إن تعزيز التعاون الأمني مع نواكشوط يمكن أن يعزز قدرات الولايات المتحدة الإقليمية ويكفل حصناً ضد انتشار عدم الاستقرار جنوباً.

وفي حين أن تحديات تعزيز القدرات العسكرية والبنية التحتية في موريتانيا كبيرة، فالفوائد الإستراتيجية لهذه الاستثمارات قد تُبرِّر الجهد المطلوب لتعميق المشاركة الأمريكية.
ولفت الكاتب إلى أن المغرب يتجلى بوصفه خياراً واعداً تحديداً لتوسيع نطاق الشراكات الأمريكية الإقليمية. فقد عززت إدارة ترامب العلاقات الأمريكية المغربية بالتوسُّط في اتفاقية تاريخية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.
وتجعل هذه الإنجازات الدبلوماسية، إلى جانب القدرات العسكرية القوية للمغرب والتعاون المثبت في مجال مكافحة الإرهاب وموقعها الإستراتيجي على طول المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، المغرب ركيزةً أساسية لجهود الأمن الأمريكية في شمال وغرب أفريقيا.
فضلاً عن ذلك، فإن تمرين الأسد الأفريقي السنوي، وهو أكبر تمرين للقيادة الأمريكية في أفريقيا، يُعدُّ شهادةً على الشراكة الأمنية الدائمة بين البلدين. والاستفادة من مزايا المغرب، كفكرة استضافة أصول القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا التي تَقدَّمَ بها مؤخراً عضو مجلس الشيوخ الأمريكي دان سوليفان، يمكن أن تُعزِّز بشكل كبير قدرات الولايات المتحدة على الاستجابة للأزمات والردع الإقليمي. ويمكن للإدارة الأمريكية المقبلة استغلال الثقة التي تحققت خلال فترة ولاية ترامب للتفاوض بشأن نطاق مُوسَّع للشراكة مع المغرب بما يتماشى مع أهداف البلدين الإقليمية. 

وشدد الكاتب على ضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة في الاعتبار علاقاتها العسكرية الوثيقة مع الحلفاء الأوروبيين مثل إسبانيا التي تستضيف منشآت حيوية في محطة روتا البحرية وقاعدة مورون الجوية.
وأضاف: "ينبغي أن تكون هناك مساع لتعزيز وجود الولايات المتحدة في شمال وغرب أفريقيا بطريقةٍ تُكمِّل هذه الالتزامات القائمة. وببيان أنَّ تعزيز التعاون الأمريكي مع موريتانيا أو المغرب يمكن أن يكون ركيزةً للاستقرار الإقليمي الذي يعزز الأمن الجماعي، يمكن للولايات المتحدة أن تحد من أي مخاوف محتملة بين شركائها الإسبان".
وووفق الكاتب، يقتضي تنفيذ هذا التحول جهداً من وزارة الدفاع الأمريكية لتحديث خُطط وضع قواتها العالمية، ومن وزارة الخارجية الأمريكية لتكثيف المشاركة الدبلوماسية بغية إقامة شراكات جديدة أو موسعة.
ودعا الكاتب الكونغرس إلى توفير الصلاحيات والموارد اللازمة لتمكين هذا النهج التكيفي، ورغم صعوبة هذه التحديات البيروقراطية، فهي تتضاءل مقارنةً بمخاطر الجمود في مواجهة المشهد الجيوسياسي الإقليمي المتغير.
فالاعتماد المفرط على مجموعة ثابتة من الشركاء يجعل الولايات المتحدة عُرضةً للاضطراب في حين أن التخلي عن المبادرة لصالح منافسيها من القوى العظمى يُهدِّد بإدامة حالة عدم الاستقرار وتقويض المصالح الأمريكية على المدى البعيد. وبالالتزام بشراكات قابلة للتكيف ومستدامة، مثل توسيع نطاق التعاون مع دول ذات موقع إستراتيجي مثل المغرب وموريتانيا، ستضمن الولايات المتحدة مصالحها وتُعزِّز الأمن الإقليمي.