تسير أسماء البلبيسي لمدة ساعة يومياً، كي تصل إلى أقرب مخبز لها، لجلب خبز لأطفالها وأقارب آخرين في مناطق بشمال غزة، تقول وكالات الإغاثة إن المجاعة لا تزال تهددها، رغم زيادة الإمدادات.

ويمكن أن يكون الطريق خطيراً، إذ أنه يمتد عبر شوارع تتراكم فيها أنقاض مبان مدمرة ويتعذر على السيارات المرور فيها، وفي ظل استمرار القتال بين حين وآخر بين مقاتلي حركة حماس والقوات الإسرائيلية. وتظهر الرحلة التي تقطعها أسماء حاجة سكان غزة الماسة للخبز من أجل درء الجوع القاتل.

وتقول أسماء: "قبل ما يفتحوا المخابز كنا نجيب والله طحين الذرة هذا اللي بينعجنش، يعني زي الحطبة بيصير لك بسكوتة، يعني يوم، يومين، مبيتاكلش بتجرشه جرش زي البسكوتة، حتى بيتغمسش فيه، بالشاي بينبلش، طحين الذرة وعلى النار يعني، إيش تظلنا نعمل، لما تلاقيلك حطب كمان، فش، مش متوفر الحطب حتى كمان والغاز غالي، فش غاز".

طوابير طويلة 

وعندما افتتح أول مخبز باستخدام دقيق القمح (الطحين) والوقود المقدم من برنامج الأغذية العالمي، احتشد المئات في طوابير طويلة تمتد للشوارع القريبة بين أنقاض المنازل. وتعين على المخابز توظيف عشرات المشرفين للحفاظ على النظام.

وتم الآن افتتاح عدد قليل من المخابز، التي يعمل بعضها 24 ساعة في اليوم. ومع أن الطوابير أصبحت أقل الآن تقول أسماء إنه لا يزال عليها أن تنتظر 20 دقيقة على الأقل يومياً للحصول على كيسين من الخبز لعائلتها الكبيرة.

فإعادة تشغيل مخابز غزة وضمان انتظام الإمدادات التي تحتاجها من الدقيق والمياه والوقود، أمر حاسم لوقف تفشي المجاعة عبر القطاع الصغير المكتظ بالسكان، بعد مرور ما يقرب من 7 أشهر على اندلاع الحرب.

إمدادت عاجلة 

ويعتمد سكان غزة بشكل أساسي على الخبز في طعامهم، برغم أن الكثير من المواد الغذائية الأخرى كانت متوفرة قبل الحرب، من الخضراوات المزروعة محلياً والدجاج والغنم والأسماك الطازجة والأغذية المعلبة المستوردة.

وأعلنت إسرائيل في بداية الحرب عن حصار كامل للقطاع. وعلى الرغم من أنها بدأت بعد ذلك في السماح بدخول بعض المواد الغذائية فإن وكالات الإغاثة، بما في ذلك تلك التي تديرها الأمم المتحدة، قالت إنها لا تفعل ما يكفي لتسهيل دخول الإمدادات وتوزيعها.

وتقول إسرائيل إنها لا تضع أي قيود على الإمدادات الإنسانية للمدنيين في غزة، وتحمل الأمم المتحدة مسؤولية بطء توصيل المساعدات، قائلة إن عملياتها غير فعالة. لكن مع ظهور جيوب مجاعة في غزة ووفاة بعض الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف، وفي ظل معاناة الناس من الجوع في أنحاء القطاع، زاد حتى أقرب حلفاء إسرائيل الضغط عليها لبذل جهود أكبر للسماح بدخول الغذاء.

وبدأت المساعدات تتدفق بكميات أكبر إلى شمال غزة هذا الشهر، بعد أن فتحت إسرائيل معبراً جديداً، وقام برنامج الأغذية العالمي بتزويد المخابز باحتياجاتها في إطار جهود أوسع، لكن وكالات الإغاثة تحذر من أن كل هذا لا يكفي لإنهاء الكارثة الإنسانية هناك، وقال برنامج الأغذية العالمي الأسبوع الماضي إن شمال غزة لا يزال يتجه نحو المجاعة.

دمار كلي 

وأعيد فتح أول مخبز كبير في شمال غزة يوم 13 أبريل (نيسان) الماضي، وهو أحد 5 مخابز كانت تديرها شركة مخابز كامل عجور، التي تصنع الآن الخبز البلدي وأرغفة السندويشات لبيعها بسعر مدعوم.

وقال كرم عجور مسؤول مراقبة الجودة في المخبز: "تعرضنا لأضرار كبيرة، إحنا عندنا 5 أفرع تقريباً وفيه كمان نقاط أخرى، الأغلب كان تعرضت للدمار الكامل والجزئي. وقدرنا الحمد لله يعني نشغل المكان هدا ونقدر ننتج يعني بشكل كامل".

ولإعادة فتح المخبز، كان على العمال إنقاذ الآلات من فروع مختلفة، دُمرت أو تهدمت جزئياً بسبب الحملة العسكرية الإسرائيلية، ونقلها إلى الفرع الوحيد الذي قرروا إعادة فتحه بدعم من برنامج الأغذية العالمي. ومع زيادة الطلب على الخبز، قرر أصحاب مخابز عجور تشغيل المخبز على مدى 24 ساعة وتركيب خط إنتاج ثالث هناك إلى جانب الخطين الموجودين.

ووظفت مخابز عجور عمالاً للتعامل مع شحنات المساعدات، التي يرسلها برنامج الأغذية العالمي إلى ساحتين في مدينة غزة ونقلها بأمان إلى المخبز. وعندما سُئل عن شعوره بعد إعادة فتح المخبز، قال كرم عجور إنه "واحد من الناس ويشاركهم مشاعرهم وحاجتهم للطعام".