بعد ما يزيد على مئتي يوم من الحرب على غزة، تتراكم الشهادات والأرقام المتصلة بتداعياتها، ويجب أن تكون باعثاً قوياً على وضع نهاية لمأزق سياسي وأخلاقي يواجه المنطقة والعالم، ويجنّب الجميع مزيداً من الخسائر، وأهمها الإنسانية.

مع بداية الأزمة في السابع من أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، تسارعت دعوات عاقلة إلى تطويق الموقف، لئلا يمضي إلى تصعيد لا رابح فيه، وعدم الانجرار إلى مستويات أكبر من العنف لا يضر طرفي الحرب وحدهما، بل يجعل المنطقة كلها مهددة إذا اتسعت رقعة المواجهات وتجاوزت حدودها الأولى.
وإذا كانت خسارة نفس واحدة مدعاة للأسى، فإننا اليوم أمام ما يقرب من 35 ألف فلسطيني في غزة فقدوا أرواحهم، وهو أمر يجب أن يكون حاضراً أمام من يتعاملون مع أوراق الهدنة المنتظرة، من أي طرف، بتسويف أو إعلاء لمصالح ضيقة، لا يمكن أن تعلو على أولوية وقف الدم المسال واحتواء ما نجم من مآسٍ إنسانية تتنافس المصادر في تأكيدها، لعل الأطراف المعنية تفهم معانيها.
إن حرب القطاع أصبحت تفيض بتفاصيل متفردة، تحفل بها شهادات كل من يقترب من ساحتها التي أصبحت تتفوق على أوكرانيا، بما يحتشد فيها من أنقاض وركام وقنابل لم تنفجر، حسب مونغو بيرتش، المسؤول عن دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام في غزة.
وإذا استمرت الحرب، فالنتائج الكارثية إلى ازدياد، وإن توقفت، فتداعيات ما وقع حتى الآن تحتاج إلى جهد ووقت ومال لمداواة آثاره، أقله الصحية، بعد أن ضرب العجز كل المرافق الطبية وظهرت إصابات عصيّة على التصور.
ماذا لو امتدت الحرب إلى رفح التي يهدد بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، باجتياحها، سواء استجدت هدنة أو امتدت الأزمة؟ إذا حدث ذلك، فإن «مأساة تفوق الوصف»، بتعبير مارتن غريفيث، مسؤول عمليات الإغاثة في الأمم المتحدة، تنتظر الجميع، وفي ظلها تستفحل الخسائر البشرية حين يتفرق مليون ونصف المليون فلسطيني بحثاً عن حياة، ولو في حدها الأدنى.
إن أي طرف ساعٍ إلى «تصعيد لا يحتمل» في رفح، حذر منه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، يجب أن يتحلى بالمسؤولية، فلا يسعى إلى مكسب متوهم لنفسه، أو تياره، أو دوائر انتمائه.
هذه التحذيرات، مضافاً إليها كل ما تراكم في سجلات حرب غزة منذ يومها الأول، تنذر فعلاً بما لا يمكن احتماله، إذا تجاوزت التداعيات القدرة على الوصف، وامتدت إلى نقاط أخرى في المنطقة قابلة للانفجار.
في مثل هذه الأوقات الحرجة من الأزمة، لا يجوز التهور والترويج لليأس، فالحلول ممكنة شريطة أن تنتصر الأصوات العاقلة في المنطقة التي تتابع بأسى ما وقع، وتخشى المزيد، وتصرّ على قطع الطريق عليه.
مرة أخرى، الشهادات والأرقام الآتية من قلب المأساة يجب أن تُخجل أي تلكؤ، أو تضييع الوقت في تفاصيل تسرّع أعداد البشر المجبرين على الاختيار بين الموت وحياة تشبهه.