لم يعد ممكناً السكوت أو التغاضي عن اعتداءات قطعان المستوطنين المتطرفين على المساعدات الإنسانية المرسلة إلى قطاع غزة، ولا عن الجرائم اليومية التي يرتكبها هؤلاء بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم في الضفة الغربية، لاعتقادهم بأنهم فوق القانون وبمنأى عن أي محاسبة، طالما أن هناك من يوفر لهم الحماية في حكومة اليمين المتطرف.

الاعتداءات التي استهدفت قافلتي المساعدات الإنسانية الأردنية قبل أن يغادر وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن العاصمة الأردنية عمان ضمن جولته الأخيرة في المنطقة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما بقيت ميليشيات المتطرفين المنفلتة تنفذ قانونها الخاص، وتعتدي على الاتفاقات والقوانين الدولية، دون أن تجد من يردعها أو يضع حداً لاعتداءاتها. فالخط البري الأردني للمساعدات جاء في الأصل بعد موافقة أمريكية إسرائيلية لزيادة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة الذي لا يزال يرزح تحت شبح مجاعة وشيكة، بحسب المنظمات الأممية والهيئات الدولية. وبالتالي ثمة التزامات وتعهدات يجب على الحكومة الإسرائيلية الوفاء بها إذا كانت جادة في التعامل مع المطالب الدولية، أو مع ما تصرح به هي نفسها إزاء السماح بزيادة وتسهيل إدخال المساعدات إلى القطاع. لقد سبق أن قام هؤلاء المستوطنون المتطرفون بعرقلة ومنع إدخال شاحنات المساعدات القادمة من مصر عبر معبر «كرم أبو سالم»، في مرات عديدة، تحت أنظار الجيش الإسرائيلي، وبموافقة حكومة اليمين المتطرف، ضمن سياسة باتت معروفة للجميع، تدخل في إطار العقوبات الجماعية، واستخدام سلاح التجويع لتركيع الفلسطينيين، والضغط على المفاوضات الجارية بشأن الهدنة وصفقة تبادل الأسرى والمحتجزين.يأتي ذلك استكمالاً للعربدة الاستيطانية التي تضاعفت وبلغت ذروتها، بعد هجوم السابع من أكتوبر، في استباحة القرى والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، والاقتحامات المتكررة للأماكن الدينية، وعمليات القتل المتعمد وحرق المنازل والممتلكات الفلسطينية، والتي باتت تنذر بتداعيات خطرة وتهدد بانفجار الأوضاع في الضفة الغربية والمنطقة عموماً.ولعل استشعار خطورة هذا الوضع هو ما دفع الإدارة الأمريكية ودولاً أوروبية إلى فرض عقوبات على بعض رموز التطرف الاستيطاني والكيانات التابعة لهم، وحدا بواشنطن إلى التفكير في فرض عقوبات على وحدات عسكرية إسرائيلية تتشارك معهم في انتهاكات حقوق الإنسان وتوفير الحماية لهم. لكن هذه العقوبات لم تكن كافية لردع عتاة التطرف الاستيطاني، ولن تكون طالما أن هناك من يهب للدفاع عنهم وعن ممارساتهم الإجرامية.
لقد بات واضحاً أن عنف المستوطنين وتمردهم على القوانين وإمعانهم في انتهاك حقوق الفلسطينيين يستند أساساً إلى إفلاتهم من العقاب، ولا يبدو أنه سيتوقف إذا لم تتوفر الرغبة والإرادة الجادة لوقفه. وحقيقة الأمر أن هذا العنف الاستيطاني في طريقه لأن يتحول إلى كارثة يمكن أن تشعل المنطقة برمتها، إذا لم تتحرك إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، جدياً لوضع حد لهذه الاعتداءات وتأمين الحماية الكاملة لقوافل المساعدات والمنظمات الأممية، وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي للمساعدة على إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وفتح مسار سياسي يضمن إنهاء الصراع المحتدم منذ أكثر من نصف عام، لتجنيب المنطقة ويلات الحروب وعدم الاستقرار.