قبل الغروب يتنقّل راع مع قطيع كبير من الأغنام على سفح جبل الشرفة في شمال الضفة الغربية المحتلة، يقول فلسطينيون في المنطقة، إنها ملكهم.

ويقول سكان في قرية دير جرير، إن الراعي مستوطن إسرائيلي، متحدثين عن "استيطان رعوي" بدأ منذ سنوات في الضفة الغربية، ويقوده تنظيم متطرّف من شبان إسرائيليين يطلق عليهم  "فتية التلال"  أنشئ في أواخر التسعينات.
يرتدي الراعي قميصاً أسود وبنطالاً رمادياً، ويغطي رأسه بقطعة قماش خضراء  بطريقة تتماهى مع لباس البدو الفلسطينيين إلى حدّ ما. 
ويقول مسؤول في هيئة مقاومة الاستيطان الفلسطينية عبد الله أبو رحمة: "المستوطنون باتوا يقلدوننا في كل شيء، في الرعي وحتى إلقاء الحجارة علينا وإغلاق الطرق بالحجارة". 

ويقول الكاتب والخبير الإسرائيلي إلحنان ميلر: "فتية التلال مجموعة من الشبان في منطقة الأغوار وجنوب الضفة الغربية، مهمّشون خرجوا من المدارس باكراً، وهم يمينيون متطرفون يستوطنون في جبال وأراض فلسطينية بشكل غير قانوني".
ويشير إلى أنهم من "أكثر من يعتدي على الفلسطينيين"، مضيفاً أنهم يلجأون إلى الرعي "للتنافس على الأرض والموارد الطبيعية".
وينتشر البدو الرحل في منطقة الأغوار الفلسطينية ويعتمدون في حياتهم على الرعي والتنقّل مع أغنامهم بين الجبال.
ويتعرّض هؤلاء إلى هجمات مستوطنين يصادرون مقتنياتهم أحياناً، وفق مؤسسات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية.

أرضنا وأرض جدنا

على عتبة كوخ خشبي في سفح الجبل، يمكن رؤية عائلة من 6، بينهم أطفال، في بؤرة "معاليه أوهوفيا" العشوائية القريبة التي يرجّح أن الراعي يقطنها. ويقول الفلسطيني حيدر مخو، 50 عاماً، من قرية دير جرير الملاصقة للجبل، إن المنطقة التي يطلق فيها فيها الراعي أغنامه فيها أراض اعتادت عائلته وسكان من القرية زراعتها.
ويضيف بحسرة "هذه الأرض التي يرعى فيها قطيع المستوطن ملكنا. اعتدنا زراعتها، لكن اليوم منعنا وجود البؤرة الاستيطانية من الوصول إليها".
ويتابع،"شعور محزن ومؤلم... هذه أرضنا وأرض جدنا".
بدأت قصة أهالي قريتي دير جرير، 5 آلاف نسمة، والطيبة 1800 نسمة، المتلاصقتين، مع المستوطن الراعي، قبل ثلاث سنوات تقريباً.
حينها اشتبك سكان القريتين ومستوطنون بسبب محاولة الأهالي الفلسطينيين منعه من الرعي في أراضيهم.
ويقول سكان في القريتين، إن ثلاث بؤر استيطانية أقيمت على سفح الجبل تمنعهم من الوصول إلى أراضيهم التي تمتد باتجاه غور الأردن.
ويمكن من القرية رؤية كرافانات يسكنها مستوطنون في معاليه أوهوفيا، بين مستوطنتي ريمونيم، وكوخاف هشحر.

مصادرات واعتداءات

وتعاني قرية الطيبة ذات الغالبية المسيحية أيضاً من بؤرة معاليه أهوفا الاستيطانية.ويقول رئيس البلدية سليمان خورية: "هذه البؤرة الاستيطانية حرمتنا من عشرات آلاف الدونمات. كل المنطقة الشرقية استبيحت من رعاة التلال، والعام الماضي مُنعنا من قطاف الزيتون".
ويشير إلى تعرّض أبنائه وسكان آخرين لاعتداءات مستوطنين صادروا مركبته والزيتون الذي قطفوه حينها. ويقول، "لغاية هذا اليوم أشاهد المستوطن وهو يمرّ بمركبتي التي أُخذت مني".


ويقول خورية: "لا أستطيع عمل شيء، لا حول ولا قوة لي ولأبنائي أمام هؤلاء المستوطنين المدججين بالسلاح".
ويعيش في الضفة الغربية أكثر من 490 ألف مستوطن في مستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي. 

وحسب تقرير لحركة السلام الآن الإسرائيلية أخيراً، أصدر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تعليمات إلى وزارات حكومية مختلفة "لتوفير الميزانيات والخدمات لـ68 تجمّع استيطاني" في الضفة الغربية. ورأت المنظمة، أن هذه الخطوة تمثّل طريقاً "التفافياً على الشرعية"، إذ ستتعامل السلطات المختلفة مع هذه البؤر كما لو أنها قانونية. 
وتشهد الضفة الغربية تصاعد أعمال العنف منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول).
وقتلت القوات الإسرائيلية ومستوطنون 486 فلسطينياً في الضفة الغربية، وفق وزارة الصحة الفلسطينية. وتقول الحكومة الفلسطينية، إن 16 منهم قضوا برصاص مستوطنين.
وقتل خلال المدة نفسها في الضفة الغربية 9 إسرائيليين، بينهم 5 من الجيش وحرس الحدود، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أوتشا.
وارتفعت وتيرة هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين في مطلع أبريل (نيسان) عقب مقتل فتى إسرائيلي كان يرعى أغنامه قرب قرية فلسطينية بين مدينتي رام الله ونابلس.
وقالت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية في بيان في الشهر الماضي: "أضحى عنف سكان المزارع الاستيطانية ضد التجمعات الفلسطينية" في الأغوار الشمالية "جزءاً من حياة أهالي التجمّعات". و"تسارعت وتيرة هذا العُنف وتفاقمت شدّته منذ 7 أكتوبر".
وأشارت الى هجوم بآليات زراعية صغيرة أو "بالخيول على قُطعان الفلسطينيّين"، و"دَهس المواشي، ورعي قطعانهم في حُقول الفلسطينيين المحروثة، وتخريب المحاصيل الزراعيّة".
ويقول مسؤول وحدة البحث الميداني في مؤسسة "بتسيلم" كريم جبران: "هناك تصاعد كبير جداً في هجمات المستوطنين على الفلسطينيين، وتتركز هذه الهجمات في البؤر الرعوية التي أقيمت أمام أعين الجيش والدولة" ليلاً ونهاراً.