خرج مدنيون فلسطينيون، الإثنين، تحت وطأة الأمطار تاركين خلفهم منازلهم وخيامهم المبتلة في رفح، بحثاً عن ملاذات آمنة في أماكن أخرى من قطاع غزة، قبل هجوم متوقع للجيش الإسرائيلي.

ووضع البعض أطفالهم وممتلكاتهم على عربات تجرها الحمير والبعض الآخر في سيارات، بينما رحل آخرون سيراً على الأقدام. وشوهد سقف سيارة واحدة على الأقل مكدساً بحشيات (مراتب) الأسرة، وكرسي متحرك معلقاً بصندوق سيارة أخرى.
والسؤال الذي دار في أذهان الناس هو إلى أين سيذهبون. فكثير من هؤلاء نزحوا بالفعل مرة واحدة على الأقل، منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة المستمرة منذ 7 أشهر.وتحولت مساحات كبيرة من القطاع الساحلي إلى أرض قاحلة من المباني المدمرة.
وقال رجل يدعى أبو أحمد "الاحتلال الإسرائيلي أخبر الناس أنها تذهب إلى رفح وأنها منطقة آمنة. واليوم بيقولك اطلع من رفح. طب وين تروح الناس؟".
وتحدث أبو أحمد من مخيم للنازحين، حيث حولت الأمطار التي هطلت أثناء الليل الممرات إلى أوحال وبرك طينية، مما زاد من صعوبة الوضع.
وأمرت إسرائيل الفلسطينيين بإخلاء أجزاء من رفح، في وقت مبكر من صباح الإثنين، في استعداد على ما يبدو لهجوم متوقع منذ فترة طويلة على ما قيل إنهم مسلحون من حماس يختبئون في المدينة الواقعة في جنوب القطاع.
وكان أكثر من مليون شخص شردتهم الحرب قد نزحوا إلى مدينة رفح.
وطلب الجيش الإسرائيلي من المتواجدين في المدينة الانتقال إلى ما وصفها "بالمنطقة الإنسانية الموسعة"، على بعد 20 كيلومتراً.
وعندما بدأ الناس بحزم أمتعتهم والخروج، سُمعت أصوات انفجارات نتيجة هجمات جوية على شرق المدينة لتمضي عملية الإجلاء القسري على خلفية مخيفة من الدخان والغبار.وقالت أمينة عدوان، وهي واحدة من سكان المخيمات،: "إحنا من الساعة اتنين (الثانية) واحنا صاحيين على الخبط والقصف، وصحينا الصبح.. على المطر وغرقنا من المطر وكل أواعينا (ملابسنا) غرقت وكل أغراضنا غرقت وإحنا بالشوارع".
وأضافت "استيقظنا كمان  على خبر أنكد من هيك، خبر إخلاء رفح، وهاذي أكبر مجزرة بدها تصير، أكبر كارثة بدها تصير في رفح".
وناشدت أمينة العالم العربي التدخل لوقف إطلاق النار وإنقاذ الفلسطينيين.
وقتل أكثر من 34700 فلسطيني وأصيب ما لا يقل عن 78 ألفاً، وفقاً لبيانات وزارة الصحة في غزة، وذلك منذ اندلاع الحرب بعد هجوم قادته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 252 رهينة، بحسب الإحصائيات الإسرائيلية.
وتقول إسرائيل إن رفح تؤوي الآلاف من مقاتلي حركة حماس وربما عشرات الرهائن، وإن الاستيلاء على المدينة بالغ الأهمية في إطار حملتها لهزيمة الحركة وإطلاق سراح جميع الرهائن.

وعلقت النساء في المخيم الملابس والأغطية لتجفيفها بينما تولى الأطفال رعاية إخوتهم الصغار وحفر الرجال ممرات لتصريف مياه الأمطار.
وقال ماهر الجمل إنه نزح من بلدة المغراقة القريبة من مدينة غزة شمال القطاع إلى النصيرات في وسط غزة ثم إلى رفح.
وأضاف "هاي هم بيهددوا في رفح، بدن يعملوا مجازر هان في رفح، هتكون إبادة جماعية. إحنا الصراحة مش عارفين وين نروح ووين نيجي. الله المستعان، بيعين الله".
وكان الناس يخلون منازلهم وكذلك مخيمات النازحين. وشملت المناطق المستهدفة مستشفى رفح الرئيسي ومعبر رفح، النافذة الوحيدة على العالم بالنسبة لأغلب سكان غزة، بالإضافة إلى معبر كرم أبو سالم الذي تديره إسرائيل، وكلا المعبرين حيويان لتدفق البضائع إلى القطاع.
وقالت امرأة نازحة كانت تقف في شارع رئيسي في رفح إن الجيش الإسرائيلي اتصل بهم هاتفياً طوال الليل وطلب منهم إخلاء المكان.
وأضافت رحمة ناصر وهي تلوح بذراعيها في ألم "مات كل الشعب، إيش اللي بدهم إياه منا؟.. قتلوا ولادنا.. اتقطعوا تقطيع. ابن اختي تقطيع فش راس فش رجلين. يا عيب عليهم ما بيستحوا على دمهم، خلاص مكفيهم الشباب. وين يروحوا؟".وقال محمد النجار (23 عاماً) وهو محام تحت التدريب ويعيش مع عائلته في غرب رفح إن الخوف والقلق أصاب الناس، بعد أمر الإخلاء الإسرائيلي.
وأضاف لرويترز عبر الهاتف "لا توجد منطقة آمنة".
وأوضح أن المناطق القليلة الأكثر أمانا بصورة نسبية التي يمكن للفلسطينيين الفرار إليها مليئة بالفعل بالخيام وآلاف النازحين.
ومضى قائلاً "فش إشي ضايل (لم يبق شيء) في غزة إلا الموت، يا ريت باقدر أمسح آخر سبع شهور من ذاكرتي".