تشكل الزيارة الأولى للرئيس الصيني شي جين بينغ لأوروبا، للمرة الأولى منذ خمسة أعوام، اختباراً لرغبة القارة في مواجهة بكين في ما يتعلق بدعمها للغزو الروسي لأوكرانيا وكذلك لسياسات الصين التجارية التي تسببت بأضرار لصناعات أوروبية أساسية.

وكتبت "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن القادة الأوروبيين يريدون التعامل بحذر مع بكين، لأنهم لا يريدون أن يعرضوا للخطر علاقاتهم مع شريك تجاري رئيسي، لكن الرئيس الفرنسي الذي التقى نظيره الصيني في باريس، المحطة الأولى من جولة أوروبية تستمر ستة أيام، أوضح أن الحرب الأوكرانية والممارسات التجارية الصينية، تشكلان تهديداً وجودياً لأوروبا.
وتعتبر الصين شرياناً حيوياً للاقتصاد الروسي منذ بدء الحرب، حيث تزود موسكو بدعم حاسم في الوقت الذي تسعى إلى اعادة بناء قدراتها العسكرية. ولم ترسل بكين أسلحة إلى موسكو، لكن مسؤولين أمريكيين يقولون إنها توفر للقوات الروسية صوراً بالأقمار الاصطناعية وتبيع روسيا أشباه الموصلات، وقطع غيار للطائرات، وآلات وتجهيزات ذات استخدام مزدوج لتعزيز قواتها المسلحة. كما أن بكين هي مشترٍ كبيرٍ للوقود الأحفوري الروسي. وفي الوقت نفسه، يُغرق المصنعون الصينيون أوروبا بالسيارات الكهربائية والألواح الشمسية وغيرها من السلع الناجمة عن تخمة التصنيع الهائلة وتراجع الاستهلاك في الداخل. كان الاقتصاد الصيني بطيئاً في الخروج من الوباء، حيث أدى انخفاض أسعار العقارات وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والانكماش إلى إثارة المخاوف من أن البلاد ستسعى إلى التصدير للخروج من الركود.
ومع ذلك، فإنه في محاولة للوقوف في مواجهة بكين، يتطلب الأمر وحدة من جانب القادة الأوروبيين، بينما بكين لديها سجل حافل في سياسة فرق تسد بين عواصم القارة.
وحاول ماكرون أن يُظهِرَ جبهة موحدة من طريق دعوته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للانضمام إليه في باريس عند بدء المحادثات مع شي. ولطالما كانت فون دير لاين شوكة في خاصرة بكين، باتهامها الصين بالسعي إلى الهيمنة العالمية، وبتحذيرها من أن العلاقات الأوروبية مع بكين ستتشكل بناء على أفعالها بالنسبة إلى أوكرانيا.
وفي فبراير(شباط)، وافق الاتحاد الأوروبي على فرض قيود تجارية على ثلاث شركات للتكنولوجيا والإلكترونيات في البر الصيني، وذلك للمرة الأولى منذ بدء الحرب، لأن بروكسل تقول إن هذه الشركات تبيع لروسيا مواد تستخدم في الصناعات العسكرية. ويقول مسؤولون أوروبيون إن عقوبات أخرى قد تتبع.


كذلك استخدم الاتحاد الأوروبي قانوناً جديداً لمكافحة الدعم لبدء تحقيق في واردات السيارات الكهربائية من الصين. والشهر الماضي، استخدمت الأداة نفسها لشن عمليات دهم على مكاتب شركة "نوكتيك" للمعدات الأمنية الصينية. وتسود مخاوف متزايدة في شأن التجسس الصيني المزعوم والتجسس الإلكتروني وأشكال أخرى من التدخل. والشهر الماضي، شنت السلطات البريطانية والألمانية حملة اعتقالات على خلفية اتهامات للصين بالتجسس.
وقال المستشار البارز لدى شركة "روديوم" للتحقيق في ممارسات الصين نوح باركين: "أعتقد أن أوروبا تملك رافعة في مواجهة الصين. إن الاقتصاد الصيني ضعيف...إن الصينيين يريدون الوصول إلى الاستثمارات الأوروبية، والتكنولوجيا الأوروبية، لكن هذه الرافعة تعمل فقط في حال كانت أوروبا موحدة وتبعث بالرسالة ذاتها".
والانقسامات الأوروبية بادية للعيان مع استمرار التحقيق في استيراد السيارات الكهربائية. ولا تزال شركات السيارات والمزودين الألمان متمترسة بقوة في السوق الصينية. وأية تعرفة يفرضها الاتحاد الأوروبي على استيراد السيارات الكهربائية من الصين تنطوي على مخاطر قيام بكين بالانتقام من صناعة السيارات الألمانية. وترحب شركات صناعة السيارات الفرنسية، التي تنتج سيارات منخفضة السعر وأكثر عرضة للواردات الصينية، بتحقيق الاتحاد الأوروبي.

وبرزت الانقسامات الأوروبية بقوة عندما زار المستشار الألماني أولاف شولتس الصين الشهر الماضي. ولم يقدم أي دعم علني لتحقيقات المفوضية الأوروبية في شأن مكافحة الدعم، والتزم الصمت حول الرسوم الجمركية التي فرضتها الصين على البراندي. وامتنع عن توبيخ بكين علناً بشكل مباشر في ما يتعلق بدعمها المستمر لحرب روسيا في أوكرانيا.
ودعا ماكرون شولتس للانضمام إليه في المحادثات مع شي هذا الأسبوع. لكن المستشار الألماني رفض، متذرعاً بخطط للسفر إلى البلطيق الإثنين.
ولا يزال لدى شي الكثير من الفرص لزرع الانقسامات خلال جولته الأوروبية. ففي بلغراد عاصمة صربيا، سيحيي الرئيس الصيني الذكرى الـ25 لقصف حلف شمال الأطلسي السفارة الصينية هناك. وأدى القصف الذي وقع عام 1999 إلى مقتل ثلاثة أشخاص، وإلى اندلاع تظاهرات في الصين وإلى تدهور العلاقات الصينية-الأمريكية. واعتذرت الولايات المتحدة عن الهجوم، قائلة إنه كان حادثاً غير متعمد وبسبب إحداثيات قديمة.
ومن المقرر أن يزور شي بعد ذلك المجر للقاء رئيس الوزراء فيكتور أوربان، عدو سياسة الاتحاد الأوروبي. لقد تراجع أوربان عن جهود الاتحاد الأوروبي لمساعدة أوكرانيا وكان أول زعيم للاتحاد الأوروبي يوقع عقداً كجزء من مبادرة البنية التحتية الضخمة للحزام والطريق في الصين. وقالت الحكومة المجرية مؤخراً إن نطاق العلاقة اتسع في السنوات الأخيرة، حيث تبلغ قيمة المشاريع الاستثمارية حالياً أكثر من 16 مليار دولار في البلاد.