توقف أشكال الحياة في غزة، في حين تواصل الموت والنزوح، فمنذ 7 أشهر، يبحث أهالي القطاع المحاصرين، عن ملاذ آمن، ومع دخول دبابات الجيش الإسرائيلي إلى رفح اليوم الثلاثاء، أصبح الأمر أكثر إلحاحاً على 1.5 مليون فلسطيني، يعيشون على الحد الأدنى أو أقل من أساسيات الحياة.

وتحدث مئات الفلسطينين عن رحلة نزوحهم المريرة، ومنهم من اضطر لتغيير مكان إقامته 7 مرات في 7 شهور، لم تتوقف فيها الحرب إلا أسبوعاً واحداً في نوفمبر (تشرين الثاني) بعد هدنة ب 7 أيام.

ومنذ أمس الإثنين، انتشرت صور الأطفال والشيوخ والعجائز الخارجين من شرق رفح إلى بلدة المواصي، القريبة من خان يونس، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يتوقف بعضهم قليلاً ليحكي لوسائل الإعلام، عن الخوف، واليأس. 

وأمس الإثنين، حط الأمل رحاله لأول مرة في غزة، حين أعلنت حماس موافقتها على مقترح الوسيطين المصري والقطري لوقف تإطلاق النار مع إسرائيل، لكنه سرعان ما تبدد، بعدما  قالت إسرائيل، إن الشروط "بعيدة كل البعد عن متطلباتها الضرورية" وأنها ستستمر في هجومها "من أجل الضغط العسكري على حماس". 
واليوم الثلاثاء، أدت الغارات الجوية الإسرائيلية على رفح إلى مقتل 23 شخصاً،  بينهم 6 أطفال، وفق مسؤولين في مستشفى بجنوب غزة.

سابع نزوح 

وقال نازح من غزة يدعى ربيع غرابلة لشبكة "سي أن أن" الأمريكية اليوم الثلاثاء، إنه  النزوح السابع له ولعائلته: "الوضع صعب للغاية... غادرنا في خوف، بعد استهداف منازل معارف لنا في رفح، بقصف عشوائي عنيف الليلة الماضية". 

وتحدثت امرأة أخرى، لم تذكر اسمها، عن رحلة هروبها من الموت مع أطفالها. وقالت، إن عائلتها نزحت أكثر من 10 مرات منذ اندلاع الحرب و"تحملت الكثير من المعاناة والإذلال".

وأوضحت الشبكة الأمريكية، أن مراسيلها شاهدوا نازحين فلسطينيين من شرق رفح في حذعر شديد، بعد أمر الإخلاء الإسرائيلي، الذي أثار موجة مناشدات من قادة العالم، والأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية لإسرائيل لتوقف  اجتياح المدينة في أقصى جنوب القطاع.

مستقبل مجهول

وأكد فيصل بربخ للشبكة وهو خارج من رفح على دراجته، أنه سيترك وراءه ذكريات عمره، بحثاً عن مأوى جديد، بدل مستقبل غزة المجهول. 

وأضاف، "كل حياتي هنا. عائلتي ممزقة ومفرقة في 7 أماكن، أشعر أنها نهاية الحياة. لا أستطيع التفكير بعد الآن. تركت 59 عاماً من العمر، كل ذكرياتي، صور أطفالي، عقد بيتي".
وأظهرت لقطات فيديو وصول عائلات إلى طريق شاطئ دير البلح، إلى الشمال من "المنطقة الآمنة" التي حددها الجيش الإسرائيلي، على متن شاحنات وعربات تجرها حمير، وسيارات مكتظة، تتكدس فوقها مراتب نوم، وأمتعة، في حين بدأ آخرون نصب خيامهم في ملاذهم الجديد.

والعديد من  الذينغادروا شرق رفح، سبق لهم تذوق مرارة النزوح عدة مرات، مع انتقال تركيز إسرائيل من مدينة إلى أخرى خلال أشهر الحرب السبعة الماضية.
وقال نازح آخر لا يعرف وجهته: "هذه هي المرة الثالثة التي أنزح فيها. الأولى كانت من النصيرات إلى خان يونس، والثانية إلى رفح، والآن مرة أخرى إلى مكان جديد مجهول". 

وقال صبيّان، يُدعيان مالك ويوسف، وهما يشقان طريقهما للنزوح من رفح، على دراجات هوائية أمس الإثنين: "نهرب من الإسرائيليين. لقد حذرونا وأمرونا بإخلاء المنطقة الشرقية، نهرب بملابسنا وطعامنا فقط".

صلاة من أجل الموت

وأكد عديدون في رفح لـ"سي أن أن"، أنهم لا يعرفون إلى أين يذهبون. وقال عودة عسلية: "الموت أكرم من هذه الحياة"، وأنه "يصلي ليموت ويرتاح من كل هذا".

وأضاف عسلية:"لا أعرف إلى أين أتوجه… لا مكان آمن في كل غزة".
وأشارت آلاء أبو رمضان، إلى أن عائلتها كانت تنتظر ضوء النهار للمغادرة، لكن "لا نعرف ماذا نفعل، ولا إلى أين نتجه، فالطريق مجهول".
أما القادرين على السفر إلى المواصي، القريبة من خان يونس، قيصلون ليجدوها مكتظة بالفعل بالنازحين، ويبدو بعض الوافدين الجدد مرتبكين ومشوشين، في حين كانت الشوارع مكتظة بالشاحنات والعربات التي تجرها الحمير، وسط أكوام من القمامة.
وقال محمد أبو خماش: "جئت إلى هنا من رفح ولم أجد مكاناً أقيم فيه. حتى أن الناس يقولون إن علينا أن نغادر، أقسم أني لا أعرف إلى أين أذهب، لكنهم، الإسرائيليين، وزعوا  المنشورات، وأصيب الناس بالذعر وبدأوا في الفرار".


ومن جهته قال سكوت أندرسون، مدير شؤون الأونروا في غزة: "في الحقيقة المواصي ليست مكاناً مناسباً تماماً للناس لنصب خيامهم وبدء محاولة جديدة للعيش في بيئة تفتقر لاحتياجاتهم الأساسية".