على الرغم من غنى الساحة الأدبية العربية بالعديد من الأصوات النسائية المتميزة، إلا أن الروائية المصرية صفاء النجار استطاعت أن تحجز لها مكاناً مرموقاً منذ بدايتها، وأن تتصدر قائمة الكاتبات في جيلها بعدد من الأعمال الأدبية المهمة.

وقد لفتت النجار الأنظار منذ روايتها الأولى "استقالة ملك الموت" التي لقيت احتفاء أدبياً كبيراً أكد ظهور صوت أدبي مختلف، ثم توالت الإشادات مع أعمالها التالية "حسن الختام" و"الحور العين تفصص البسلة" و"الدرويشة" وانتهاء بـ "مقامات الغضب" روايتها الأخيرة الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة. وشاركت النجار أخيراً في ندوة بعنوان "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"،  أقيمت بمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، وعلى هامشها كان لـ 24 معها هذا الحوار:

 

اسم روايتك الأخيرة "مقامات الغضب" لافت بشدة، ولأنه يقال إن العنوان هو عتبة النص فلماذا "الغضب"؟

أسميت الرواية "مقامات الغضب"، لأن الغضب هنا يعكس الحالة النفسية لمعظم شخوص الرواية، أقصد الغضب الذي تختلف درجاته وتتباين حدته، وسيلاحظ القارئ غضباً جلياً لدى معظم أصوات النص، كما سيشعر بمفردة الغضب واضحة لدى الشخصية الرئيسية أروى، التي عاصرت "أحداث ثورة يناير(كانون الثاني)2011"، وكانت تحمل أحلاماً  وطموحات لم تتحقق بسبب استيلاء الإخوان على الثورة، لكن النقطة الفارقة في الرواية بعد حدوث الإصلاح عام 2013.


بدأتِ بالقصة القصيرة في مجموعتك "البنت التي سرقت طول أخيها" لكنك تحولت بعدها للرواية، هل يمكن القول إنك تفضلين نوعاً أدبياً على آخر؟

آخر إصداراتي رواية "مقامات الغضب"، لكن هذا لا يعني أنني أنحاز للرواية أكثر من القصة، ولا أستطيع الإجابة على سؤال يعطي الأفضلية لأحدهما، لأنني ككاتبة لا أميل لأدب على حساب آخر، بقدر ما تحكمني وتحركني للكتابة الفكرة التي تستحق، والتي أراها المحدد الرئيسي لاختيار الشكل الفني للعمل الأدبي، سواء كان قصة أم رواية.


عملك في مجال الإعلام وتقديم البرامج، هل أثّر على إنتاجك الروائي؟

عملت في مجال الإعلام كمقدمة برامج منذ أن تخرجت في الجامعة عام 1998، وحتى 2009، وخلال هذه الفترة كتبت ثلاثة أعمال أدبية هي المجموعة القصصية "البنت التي سرقت طول أخيها"، ورواية "استقالة ملك الموت" ورواية "حسن الختام"، وهو ما يعني أن عملي لم يؤثر على إنتاجي الأدبي، كما لا أعتقد أن عملي الإعلامي أثر على موهبتي في مجال الكتابة، لكن هناك فترة في حياتي توقفت عن الكتابة بعد إنجاب طفلتي وانشغالي في أمور الأمومة، ولكنني في المقابل استطعت خلال هذه الفترة إنجاز رسالتي الماجستير والدكتوراه.


أنتِ مسؤولة عن الصفحة الأدبية في صحيفة الدستور، ويبدو أمامك مشهد الكتابة المصرية واضحاً من خلال النصوص التي تصلك أو تختارينها للنشر.. كيف تقيمين المشهد الثقافي في مصر من خلال ذلك؟

المشهد الثقافي في مصر ثري جداً وشديد التنوع، وأرى أن هناك تدفقاً إبداعياً كبيراً  في كافة أنواع الكتابة والتعبير، وقد لاحظت أخيراً ظهور عدد كبير من الكاتبات، واتجاه عدد منهن إلى مجالات جديدة لم تكن مطروقة من قبل في الكتابة النسائية، مثل أدب الرعب والأعمال البوليسية ورواية الجريمة، كما ظهر في المقابل تيار من الكتابة الرصينة التي تهتم بالأفكار الفلسفية. وكما أن هناك عدداً من الكتاب ما زالوا متمسكين بالأفكار التقليدية في الكتابة التي تعتمد على الحبكة والحدوتة، فهناك أيضاً في المقابل جيل جديد يهتم بالكتابة التجريبية وينحاز لمنجزات ما بعد الحداثة في الأدب، ويمكن لمن يراقب المشهد أن يلاحظ  الازدهار في مجالي قصيدة النثر والقصة القصيرة. ما أريد أن أقوله إن الساحة الثقافية اليوم في مصر تضم كافة التيارات الأدبية، وتوجد بها كتابة ترضي كل الأذواق، وهذا ليس غريباً على مصر المتجددة بالفكر والثقافة والأدب.


ما الذي تسعين لتقديمه من خلال برنامجك أطياف؟

أحاول تقديم الثقافة الرفيعة بلغة مبسطة، تصل لجميع "أطياف" المجتمع، بحيث يتقبله المشاهد ويتفاعل معه. وأؤيد فكرة "الأطياف" لأن الثقافة الشعبية هي السائدة في مصر حالياً ويتصدرها التيار الشعبي، لذلك أحاول الاقتراب من العامة، لأجعلهم يتذوقون الفن، وأسهم في تشكيل الثقافة العربية قدر استطاعتي، من خلال الوصول لكافة شرائح المجتمع، وليس الطبقة المثقفة فحسب. وحتى لو لم يستجب المشاهد مع ما يقدمه البرنامج اليوم أو يتفاعل معه، ستأتي لحظة ويشعر فيها بفطرته السليمة التي أراهن عليها بجدوى وأهمية ما نقدمه.

 

من خلال "أطياف"، ومن خلال إبداعك.. كيف ترين دور النخبة المثقفة تجاه الشارع؟

 أحد أدوار الإعلام التوجيه، وعلى النخبة المثقفة أن تدرك أنها القدوة، والمسؤولة عن تشكيل الوعي لأنها منذ الأزل، هي التي تشكل الوعي الجمعي، فقديماً كنا نرى الفلاح يغني "سلوا قلبي" لأم كلثوم، وهي قصيدة  لأمير الشعراء أحمد شوقي، لكنها وصلت لهذا الفلاح وللعامة، لأن النخبة اهتمت أن تقدمها بلغة بسيطة وبأدوات فنية تضمن أن تعيد تشكيل وعي الفلاح البسيط وترتقي بذائقته.


ما سبب قلة عدد البرامج الثقافية على شاشة التلفاز؟

تعاني البرامج الثقافية اليوم، من شح في الإنتاج التمويل والإعلانات، إضافة إلى أن الأغلبية المشاهدة لا تولي لها أهمية كبيرة، بسبب صعوبة وتخصص بعضها الشديد، وهذا ببساطة هو سبب ابتعاد المشاهد عن البرامج الثقافية، لذلك أحرص في برنامجي على استعراض الأحداث الثقافية بأسلوب بسيط، كما أحرص على تقديم حلقات خاصة عن أشياء تثقيفية عامة، فلا نكتفي بالتصوير داخل الاستوديو، بل نحرص على تقديم صورة جمالية تجذب المشاهد، فقدمنا حلقات من مكتبة الإسكندرية، ومن معارض دولية، ومن دار الأوبرا المصيرة، لأن الجمهور هو الهدف ويجب الوصول إليه بكافة الطرق.


بعد قرابة 3 سنوات من انطلاق برنامجك.. هل تعتقدين أن المشاهد ارتبط بـ"صفاء النجار" أم بـ"أطياف"؟

الإجابة كلانا. فالبرنامج ارتبط بي وارتبطت به في المقابل، لأنه فكرتي ولأنني لا أتعامل مع ضيوفه باعتبارهم ضيوفاً غرباء، فكوني كاتبة وكوني من الوسط الأدبي والروائي والفني، فإن الكثيرين من ضيوفي هم أصدقائي وأساتذتي، لذلك ما أقدمه في البرنامج يظهر للمشاهد كأنه حديث في صالون البيت بين الأصدقاء، فهناك حميمية ودفء في حواري معهم، وهذا يقرب البرنامج من المشاهد ويجعله يشعر كأنه جزء منه.