اشتهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأنه رجل يحب اللعب على الوقت، وتأجيل القرارات الكبرى، ولكنه قد لا يكون قادراً على فعل المزيد من ذلك مجدداً.

المنطق الاستراتيجي يفترض استكمال تفكيك حماس


على الصعيد المحلي، يهدد شركاؤه من اليمين المتطرف بإسقاط الحكومة، في حال وافق على وقف إطلاق النار، ولم يسع إلى طرد حماس من رفح بجنوب قطاع غزة.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنه من الناحية العسكرية، فإن المنطق الاستراتيجي يفترض استكمال تفكيك حماس من طريق السيطرة على رفح وضبط الحدود مع مصر. لكن دبلوماسياً، يضغط عليه حلفاؤه، وخصوصاً الولايات المتحدة، للموافقة على وقف الحرب، والتخلي عن رفح، مع ما ستنطوي عليه من خسائر بشرية كبيرة.
وهكذا، فإن نتنياهو يفاوض ويناور الآن على جبهات عدة، كلها ذات تأثير مهم على طريقة إدارة الحرب، وعلى مستقبله كرئيس للوزراء.

معبر رفح


وأعقب دعواته للفلسطينيين في أجزاء من رفح للانتقال إلى مناطق وصفتها إسرائيل بالآمنة، بالسيطرة ليل الإثنين على الجانب الفلسطيني من معبر رفح على الحدود مع مصر، في اشارة إلى ائتلافه الحكومي اليميني المتطرف، وإلى حماس، وإلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأنه يولي الأولوية القصوى لمصالح إسرائيل الأمنية. والأكثر أهمية أن مجلس الحرب المصغر، الذي يضم شخصيات رئيسية من المعارضة، يدعم قرارات نتانياهو.

 


وحتى الآن فإن السيطرة على معبر رفح مع مصر، ومحاولة استكمال السيطرة الأمنية على حدود غزة، كانتا سبباً في عدم شن عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح نفسها، وقد يؤشر ذلك إلى أن إسرائيل تستعد على الأقل لوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، رغم أن نتيجة المفاوضات تبقى غير أكيدة.
ويقول السفير الأمريكي السابق إلى في دانيال كيرتزر إن نتانياهو يجري "سحبه في اتجاهات مختلفة"، وسط تصاعد الضغط عليه كي يستجيب.
والأهمية القصوى لدى نتنياهو هي تفادي انتخابات جديدة، يمكن أن تعني خسارته السلطة، وتجدد الدعاوى المرفوعة ضده. ويؤكد كيرتزر أن "البقاء السياسي يأتي أولاً في حسابات نتنياهو".
وأشار إلى أن هناك ضغوطاً عليه "من المتشددين في ائتلافه الذين يريدون مواصلة الحرب"، ومن عائلات الرهائن، الذين يريدون من الحكومة أن تعطي الأولوية لوقف النار، وإطلاق المزيد من الأشخاص الذين خطفتهم حماس، في الهجمات التي قادتها في 7 أكتوبر.
على الصعيد الخارجي، يتعرض نتانياهو لضغط من مسؤولين في ادارة بايدن ومن البعض في الكونغرس "الذين نفد صبرهم حيال الوضع الإنساني". ويريد هؤلاء وقفاً للنار، ويعارضون هجوماً كبيراً على رفح، و"هناك التهديد الفعلي المتواصل بالتصعيد، خصوصاً من حزب الله".

تماسك الائتلاف الحكومي


ويسعى نتانياهو بقوة للحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي، الذي يملك 64 مقعداً من أصل 120 في الكنيست.
ويشغل شركاؤه في اليمين المتطرف، إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش 14 مقعداً معاً، وقد تعهدا بالخروج من الحكومة، في حال قدم نتانياهو تنازلات كثيرة، ووافق على وقف النار في غزة، وجعل حماس تدعي النصر. وهما يلحان، كما يفعل نتنياهو، على أن الجيش سيتحرك إلى رفح.

 


لكن انتخابات جديدة ستفرز ائتلافاً جديداً من دون بن غفير وسموتريتش، وهكذا فإن لدى نتنياهو بعض الهامش من المناورة.
إن الموافقة على وقف نار موقت، وفق ما هو مقترح في المفاوضات الحالية، يمكن أن يتيح لإسرائيل التعامل مع ما تقول إنه أربع كتائب من حماس في رفح، بخطوات بطيئة، وعلى مدى أسابيع عدة، خصوصاً وأنه تمت السيطرة على المعبر مع مصر.
كما أن من شأنه استعادة مزيد من الرهائن- وليس كلهم، لكن الأكثر ضعفاً من بينهم، وكذلك بعض الجثامين من أجل دفنهم من قبل ذويهم. وهذا ما يمكن أن يخفف من حدة التجمعات ضد الحكومة التي تقودها عائلات الرهائن.

تهدئة بايدن


كما من شأن وقف للنار تهدئة بايدن، الذي يمكنه الادعاء بنصر دبلوماسي، يتيح إدخال المزيد من المساعدات إلى غزة، ويسمح لمزيد من المدنيين بالانتقال إلى مناطق أكثر آماناً، وحتى إلى الشمال، بعد أن يكونوا خضعوا لتدقيق من الجيش الإسرائيلي، ويتم تفادي هجوم شامل على رفح.
أما الباحث في معهد الدراسات الأمنية الوطنية في تل أبيب كوبي مايكل فيقول: "إذا ما أنهينا الحرب من دون إغلاق الأنفاق، فإننا بذلك نسمح لحماس أو لأية منظمة إرهابية بإعادة بناء قدراتها العسكرية".
ويعتبر نيتزان نوريل البريغادير جنرال في الاحتياط والمدير السابق لمكتب مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، الذي عمل مع نتانياهو لسنوات، أن "رفح مهمة ليس لوجود أربع كتائب من حماس فيها.. إن رفح مهمة لأنها ستوجه رسالة إلى الفلسطينيين الذين يقيمون في غزة بأن حماس لن يكون في استطاعتها السيطرة على غزة إلى الأبد.. وإلا سيبقى الغزاويون خائفين من حماس، وتالياً سيتعاونون معها".
ويقول عالم السياسة الفلسطيني مخيمر أبو سعدى، الذي كان أستاذاً في جامعة الأزهر التي دمرتها إسرائيل في غزة ويعيش الآن في القاهرة، إنه مقتنع "بصرف النظر عن ضغوط الأسرة الدولية أن نتانياهو سيدخل رفح"، حتى لا يدخل إلى السجن. لكنه يضيف أنه في نهاية المطاف لا يمكن لإسرائيل أن تكون منتصرة بعد هذه الحرب، ومع هذه الأعداد من القتلى والدمار، ومع كل القتلى من المدنيين الفلسطينيين والأطفال".